كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

"لاَ تُحَرِّمُ المَصَّةُ (¬1) [وَلاَ المَصَّتَانِ، وَلاَ الرَّضْعَةُ وَلاَ الرَّضْعَتَانِ" قبل: المصة] الجرعة يتجرَّعها، والرَّضعة المراد به الرضعة الثانية في العادة، وعند أبي حنيفة ومالك: تثبت الحرمة بالرَّضْعَةِ الواحدةِ، وعن أحمد روايتان كالمذهبَيْن، ولنا وراء ظاهر المذهب وجهان:
أحدهما: كمذهب أبي حنيفة، والثاني: أنَّه يثبت الحرمة بثَلاَث رضَعَاتٍ، وبه قال ابن المُنْذِر، واختاره مشايِخُنا, ولو حكم حاكم بالتحريم برضعةٍ، لم ينقض حكمه، وإن كنا نفرِّع على ظاهر المَذْهَب، وعن الإصْطَخْرِيِّ: ينقض، والرجوع في الرَّضْعة الواحدة والعدد من الرَّضَعات إلى العُرْف، وَمَا تُنَزَّلُ علَيْه الأيْمَانُ في مثْل ذلك، ومَهْما تَخلَّل زمانٌ طويلٌ لم يخف التعدد، ولو ارتضع، ثم قَطَعه، قطَعْ إعراض، واشتغل بشَيْءٍ، ثم عاد، وارتضع، فهما رضعتان، وقطع المرضعة كقطع الصبي في أصحِّ الوجهين.
والثاني: أنه لا اعتبار بقَطْعها, ولو قَطَعَت، ثم عادت إلى الإرضاع، لم يُحْسَب ذلك رضعتين، ولا يحْصُل التعدُّد بأن يَلْفِظ الثدْيَ، ثم يعود إلى الالتقام في الحال، ولا بأن يَلْهُوَ عن الامتصاص، والثَّدْيُ في فمه، ثم يعود إلى الامتصاص، ولا بأن يَتحوَّل من ثَدْيٍ إلى ثديٍ أو تحوله لِتَقَادِمَا فِي الثَّديِ الأول، ولا بأن يقطع للتنفس، ولا بأس بتَخلَّل النومة الخفيفة، ولا بأن تقوم هي، وتَشْتغِل بشُغْلٍ خفيفٍ، ثم تعود إلى الإرضاع (¬2)، ذَكَره الشيخ إبراهيم المروزي، قال الأصحاب -رحمهم الله-: ويُعْتَبَر ما يجيْء فيه بمرات الأكل، وإذا حَلَف أن لا يَأْكُل في اليوم إلا مرةً، وأكل لقمة، ثم أعرض عنه، واشتغل بشُغْل، [طويل] ثم عاد، وأكل، حَنِثَ في يمينه، فلو أطال الأَكْلَ على المائدة، فكان ينتقل من لون إلى لون، ويُحْدِثُ في خلال الأكل، ويقوم، ويأتي
¬__________
= الأحاديث التي تمسكتم بها واردة على سؤال خاص، ورواية أم الفضل مصرحة بلفظ السؤال، فلا يدل على إثبات الحكم، فيما عدا هذا السؤال.
والجواب عن الثاني والثالث: أن النص دافع لهذه الاحتمالات.
(¬1) رواه مسلم [1451] والنسائي من حديث عائشة، وأم الفضل بنت الحارث، وفيه قصة، ورواه أحمد والنسائي وابن حبان والترمذي، من حديث عبد الله بن الزبير، وقال: الصحيح عند أهل الحديث من رواية ابن الزبير عن عائشة، يعني كما رواه مسلم، وأعله ابن جرير الطبري بالاضطراب، فإنه روي عن ابن الزبير عن أبيه، وعنه عن عائشة، وعنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة، وجمع ابن حبان بينها بإمكان أن يكون ابن الزبير سمعه من كل منهم، وفي ذلك الجمع بعد على طريقة أهل الحديث، ورواه النسائي من حديث أبي هريرة، وقال ابن عبد البر: لا يصح مرفوعاً.
(¬2) قال النووي في زوائده: قال إبراهيم المروذي: إن نام الصبي في حجرها وهو يرتضع نومة خفيفة، ثم انتبه ورضع ثانياً، فالجميع رضعة، وإن نام طويلاً، ثم انتبه وامتص، فإن كان الثدي في فمه رضعة، وإلا فرضعتان. والله أعلم. وتعقب بأنه لا يحسن عدة من الزوائد لذكر الرافعي له.

الصفحة 567