كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

الباطن؛ لأنا نعلم قطعاً أن الوَلَد مِنْ أحَدِهِما، واللبن يتبعه، لكن لمَّا عسر الرسول إلَيْه، أطلق ثبوت أبوتهما والذي ذكره (¬1) الأصحابُ توجيهاً وتفريعاً يخالف ذلك، وإن كان القَوْل ضعيفاً بالاتِّفَاق، وإن قلْنا بالأصحِّ، فهل للرضيع أن يَنْتَسِب بنفسه؟ فيه قولان منقولان عن "الأم":
أحدهما: لا، كما لا يُعْرَض على القائف، ويخالف المولود، فإنه يعول على ميل الطبع [بسبب] أنَّه مخلوق من مائة.
وأصحهما: نعم، كالمولود، والرضاعُ يؤَثِّر في الطباع والأخلاق، وقد يميل الإنسان إلى من ارْتَضَعَ بلَبَنِهِ لتشابههما في الأخلاق، واستشهد لذلك بما رُوِيَ أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ بَيْدَ أني مِنْ قريش [وَنَشَأْتُ فِي بَنِي سَعْد، وَارْتَضَعْتُ في بَنِي زُهْرَة"، وَيُرْوى: أَنا أَفْصَحُ العَرَبِ بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْش إِلى آخره] (¬2) وكانت هذه القبائل أفْصَحَ العرب، وافتخر بالرَّضَاع كَما افتخر بالنَّسَب، ويخالف العَرْض على القائف، فإنَّ مُعْظَم تعويله على الاشتباه الظَّاهر في الخِلقة دون الأَخْلاق، على أن القاضِيَ ابن كج نقل وجهَيْن عن [أبي] الحُسَيْن وأبي حامِدٍ؛ في العرض على القائف، وهو غريب.
التفريع: إن قلْنا: إن له الانتساب، فهل يجبر عليه؟ فيه وجهان، وقال في "المُهَذَّب": قولان.
أَحدهما: أنه يجبر عليه كالمولود.
وأَصحُّهما: المَنْع، والفرق أن النسب يَتعلَّق به حقُوقٌ له وعليه؛ كالنفقة والميراث والعتق والشهادة وغيرها، فلا بد من رقع الإشكال، والذي يَتعلَّق بالرضاع حرمةُ النكاح، والامتناع منه سهل، وإذا انتسب إِلى أحدهما، كان ابْنَهُ، وانقطع عن الآخَرِ، فله أن ينكح ابنته، ولا يخْفَى الوَرَع، وإن لم ينتسب أو قلْنا: ليس له الانتساب، فلَيْس له أن يَنْكِح، بنت هذا أو بنت ذاك جميعاً؛ لأنَّ إحداهما مُحَرَّمة لا محالة، وعن صاحب "الحاوي" حكايةُ وجْهٍ ضعيفٍ: أنَّه يجوز ويُحْكَم بانقطاع الأُبوَّة عنهما، وهل له أن ينكح بنْتَ أحدهما؟ فيه وجهان:
أصحهما: لا؛ لأنا نتقين أن إحداهما أخته، فأشبه ما إذا اختلَطَتْ أخته بأجنبية
¬__________
(¬1) قال في المطلب: وما نسبه إلى البسيط ذكره الإِمام، وما ذكرنا أنه أصل القول المذكور أي وهو أن مجرد الوطء من غير إحبال إذا ثار به اللبن وارتضع به صبي ثبتت الأمومة وهل تثبت الأبوة فيه قولان فلعل القائل إنه ابنهما مبنى عليه.
(¬2) سقط من: ز.

الصفحة 579