كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

وهذا تفريعٌ [على الأظهر] من الأقوال السابقة في أن الزَّوْج يرجع على المرضِعَة بِنِصْف مَهْر المثْل.
ولو أرضعَتْها الأمُّ أرْبَعَ رَضَعَاتٍ، ثم ارتضعَتِ الصغيرة منْها، وهي نائمة المرة الخامِسَة، فقد قال صاحب "التتمة": في نظيره لأصحابنا اختلاف؛ وهو أن الرجل إذا طَلَّق زوجته ثلاثاً على التلاحُقِ، يتعلَّق التحريم بالطَّلْقة الثالثة وحدها أو بالطلقات الثلاث؛ إن قلْنا: يَتعلَّق بالثالثة وحدها فكذلك هاهنا يحال التّحْرِيم عَلَى المرضعة الأخيرة فيكون الحكْمُ، كما لو ارتضعَتِ الخَمْسَ، وصاحبةُ اللبَنِ نائمةٌ، ولا يحرم عليها، ويسقط مهْر الصغيرة، وإن علَّقْنا التحريم بالطَّلقَات الثلاثِ، فهاهنا يتعلَّق التحريم بالرَّضَعَات، وعلى هذا فقياسُ التوْزِيعِ على الرَّضَعَات أن يسقط من نِصْف المهر خُمْسَهُ، ويجب على الزوج أربعةُ أخْمَاسِهِ، ويجب على المُرَّضِعة أربعة أخماس مهْر المِثْل تفريعاً على القوْل الأظْهَر.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: الأَصْلُ الثَّانِي المُصَاهَرَةُ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِالرِّضَاعِ فَمَنْ نَكَحَ رَضِيعَةٌ حُرِّمَ عَلَيْهِ مُرْضِعَتُهَا لأَنَّهَا أُمُّ زَوْجَتِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبَانَ صَغِيرَةٌ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مَنْ أَرْضِعَتْهَا بَعْدَ الطَّلاَقِ، وَلاَ نَظَرَ إِلَى التَّارِيخِ فِي ذَلِكَ، وَإذَا نَكَحَتِ المُطَلَّقَةُ صَغيراً أَوْ أَرْضَعَتْهُ بِلِبَانِ الزَّوْجِ حُرِّمَتِ المُرْضِعَةُ عَلَى المُطَلِّقِ لأَنَّهَا صَارَتْ زَوْجَةَ الرَّضِيعِ وَالرَّضِيعُ ابْنُ المُطَلِّقِ، وَكَذَلِكَ المُسْتَوْلَدَةُ، وَإذَا نَكَحَ زَيدٌ كَبِيرَةٌ وَعَمْرو صَغِيرَةً فَطَلَّقَاهُمَا ثُمَّ نَكَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَوْجَةَ صَاحِبِهِ فَأَرْضَعَتِ الكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتِ الكَبِيرَة عَلَيْهِمَا لأَنَّهَا أُمُّ الصَّغِيرَةِ الَّتِي كَانَتْ زَوْجَتَهُمَا، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَرَبِيبَتُهُ لأَنَّهَا بِنْتُ الكَبِيرَةِ فَيُنْظَرُ إِلَى أَنَّ الكَبِيرَةَ مَدْخُولٌ بِهَا أَمْ لاَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: هذا الأصل لبيان أن المُصَاهرة تَتَعلَّق بالرَّضاع، فلنف به.
فمَنْ نكح صغيرةً أو كبيرةً، حُرِّمَت عليه مرضِعَتُها؛ لأنَّها أمُّ زوجته مِنَ الرَّضَاع، وهذا ما ذكَرَه في أوَّل النِّكَاح: أنه يَحْرُم على الرجُل بالنكاح الصحيحِ أُمَّهَاتُ الزوجة من الرضاع والنَّسب، ولو نكح صغيرةً ثم طلَّقها، فأرَضعَتْها امرأة حرمت المرضِعة على المُطلِّق؛ لأنها صارتْ أُمَّ مَنْ كانت زوجَتَهُ، ودخَلَتْ تحْت أمهات النساء، ولا نَظَر في ذلك إلى التاريخ, والتقدم والتأخُّر، ولو كانَت تحْته كبيرةٌ، وطلقها، فنكحت صغيراً، وأرضعته بلبان المطلِّق، حُرِّمت على المطلِّق أبداً، وكذلك على الصَّغير، أمَّا على المُطلِّق؛ فلأن الصغير صار ابناً له، وهي امرأةُ الصغير, فيَدْخُل في حلائل الأبْنَاء، وأمَّا على الصغير, فلأنَّها أمه، ولأنَّها زوجةُ أبيه، ولو نكحت صغيراً، وفَسخت النكاح بعيب وجدته فيه، ثم نَكَحَتْ زوجاً آخر، وأرضعتِ الأوَّل بلبان الثاني، انفسخ نكاحهما،

الصفحة 588