كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 9)

في الإخْبار عن نجاسة الماء وغيره، والمانعون مِنْ قبول الشهادة المُطْلَقة في الرَّضاع ذَكَروا وجهَيْن في قَبُول الشهادة المُطْلَقَة على الإقْرار بالرَّضَاع، ولو قال: هي أخْتِي مِنَ الرضاع، ففي "البحر" وغيره: أنه لا حاجَةَ إلى التعرُّض للشرائط، إن كان من أهل الفِقْه، وإلا، ففيه وجْهان، وفرق بين الإقرار والشهادة بأَنَّ المُقِرَّ يحتاطُ لنفسه، فَلاَ يُقِرُّ إلا عن تَحْقيق.
ولو شهد الشاهِدُ على فِعْلِ الرضاع، والارتضاع، لم يَكْفِ، وكذلك في الإقْرار بل لا بد من التعرُّض لِلْوَقْت والعدد؛ بأن يشهد أنَّه ارتضع منْها أو أرْضَعَته في الحولَيْن خمْسَ رضَعَاتٍ متفرِّقَاتِ (¬1)، هكذا ذكَروا [و] في التعرُّض للرضعات ما يغني عن ذِكْر التفرُّق، فإنه إذا لم يَكُنْ تَفرُّق، لم يكُنِ الحاصِلُ رضَعَاتٍ، بل رضعةٌ طويلةٌ، وهل يشترط ذِكْرُ وصول اللبن إلى الجَوْف؟ فيه وجهان:
وأظهرهما: وهو المذكور في "التتمة" وغيره: أنَّه يُشْتَرط كما يُشْتَرط ذِكْر الإيلاج في شَهَادَة الزنا, ولأن الحُرْمة تَتَعلَّق بالوصول إلى الجَوْف.
والثاني: أنَّه لا يُشْترط؛ لأنه لا يشاهد قال في "البسيط": ولا شك أن للقاضي أنْ يَسْتَفْصل، ولو مات الشَّاهِد قبْل الاستفصال (¬2)، هل للقاضِي التوقُّف؟ فيه وجهان، واعلم أن الشاهد قد يستَيْقنُ وصُولَ اللبن إلى جَوْف الصغير؛ بأن يعاين الحَلْب وإيجار الصغير المَحْلُوبَ وازدراده، وحينئذ يَشْهَد به، ولا إشكال, وقد يُشَاهِد القرائِنَ الدالَّة عليه، وهي الْتقَامُ الثَّدْي وامتصاصه وحركة الحَلْق بالتجرُّع والازدراد بعْد العلم، بكونها
¬__________
(¬1) وكذا قال المحاملي في التجريد والجرجاني في الشافي والمتولي في التتمة والبغوي في التهذيب والخوارزمي في الكافي وابن الصباغ في الشامل وقال القاضي أبو الطيب يقول في خمسة أوقات مختلفة. وفي قوله "متفرقات" كناية عن ذلك.
(¬2) أطلق الاستفصال وهو مشكل، فإنه إن كان المراد به ما إذا اقتصر الشاهد على قوله أشهد أن بينهما رضاعاً محرماً فلا شك في وجوب الاستفصال بل صيغة الشهادة مختلفة بناء على عدم سماع الشهادة المطلقة كما هو الأصح. وإن كان المراد به ما إذا تعرض الشاهد للشروط فأي معنى للاستفسار مع هذا التفصيل والموجب لهذا تابعه الغزالي على إطلاقه، ولو راجع كلام الإِمام لاتضح المراد فإنه ذكر ذلك في ذكر الشاهد وصول اللبن إلى جوف الصبي والتصريح به، وأنه هل يشترط عيه تصريحه بذلك أم يكتفي بذكر العدد والوقت؟.
قال: فإن صرح بوصول اللبن إلى الجوف فهو المراد وإن لم يذكره واستراب القاضي وجوز أن يكون الإرضاع غير مفض إلى وصول اللبن إلى الجوف الوصول المعتبر فله أن يستفصل الشاهد بلا خلاف، فلو شهد على الإرضاع ولم يفصل وصول اللبن إلى الجوف ومات الشاهد قبل سؤال القاضي له هل يجوز للقاضي التوقف في الشهادة خلاف انتهى.
يعلم من هذا أن مسألة الاستفصال إنما هي فيما إذا لم يذكر الشاهد وصول اللبن إلى الجوف واقتصر على قوله "أشهد أنها أرضعته خمساً في الحولين" فتفطن لذلك. قاله في الخادم.

الصفحة 603