كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 10)

وهذا مأخوذ من الإِمام في غالب الظَّنِّ، ولك أن تقول: قد تَقدَّم أن موضع نفقةِ الخَادِمة ما إذا أخْدَمَها بخادمتها المملوكة أو الحُرَّة، غير المستأجرة فإن كانَتْ مملوكةً لها فيملكها نفقتها، كما يملكها نفقة نفْسها، وإن كانت حُرَّةً، فيجوز أنْ يقال: يُمَلِّكُها نفقتها، كما يَمْلِك الزوجةُ نفقَتَها، وتستحق المرأةُ المطالبة بذلك، لتَوفُّر حقُّ الخدمة، ويجوز أن يقال: يملك الزوجة؛ لتَدْفَعَهَا إلى الخادِمَة؛ وعلَى هذا، فلها أن تتصرَّف في المأخوذِ، وتكفي مؤنة الخادمة من مالها.
ولو أخَذَتِ الزوجةُ النفقةَ فَتَلِفَتْ في يدها أو سُرِقَتْ، لم تَلْزَمِ الزَّوْجَ مرةً أخرَى.
الثانية: الذي يجب تمليكه من الطَّعَام الحَبُّ، كما في الكفَّارات لا الخُبْز والدَّقِيق، فإنهما لا يَصْلُحان لكل ما يَصْلُح له الحَبُّ فلو طلبت غير الحَبِّ، لم تَلْزَمْه الإجابة، ولو بذل غيره من خُبْزٍ ودقيقٍ ودرهم وثوب، عوضاً، لم يلْزَمْها القَبُول، وهل عليه مع [الحَبِّ مؤنةُ] (¬1) الطَّحْنِ والخَبْزِ؟ فبحصول ما قيل فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: وهو الذي أورده القاضي ابن كج: أنها لا تلزم كما في الكفارات.
والثاني: عن الحاوي: أن المرأة إن كانَتْ من أهل السواد الَّذين عادتهم الطَّحْن والخَبْز بأنفسهم، لم تجب المؤنة على الزَّوْج، وإن كانَتْ من غيرهم، وجَبَتْ.
وأظهرها، وهو الذي أورده في الكتاب: أنها تجب؛ لأنها في حبسه، فعليه أن يكفي مؤنتها بخلاف ما في الكفارات؛ وعلى هذا، فيلْزَم مؤْنة طَبْخ اللَّحْم، وما يُطْبَخُ به، ولو باعت الحَبَّ المأخوذ أو أكلته حَبّاً، ففي استحقاق مؤنة الإصلاح احتمالان للإمام:
أحدهما: الاستحقاق؛ لأَنَّهُ بعض ما وَجَبَ عليه.
وثانيهما: المنْع؛ لِأَنها تجب تبعاً للحَبِّ؛ فلا تُفْرَد بالإيجاب وقد يؤيَّد ذلك بأنهم ذكَرُوا أن الزوج يُخيرُ بين أن يبذل المؤنة مع الحَبِّ، وبين أن يكفيها مؤنةُ الطَّحْنِ والخَبْزِ بنفسه، أو بأن يقيم لذلك مَنْ يتولاه، ولو مكناها من التصرُّف في المأخوذ وطلب المؤنة، بطلت خيرته.
وليس له أن يُكلِّفها الأكْل معَه لا مع التمليك ولا دونه؛ لأنها حينئذٍ لا تَتَمكَّن مِنَ التصرُّف فيه كما تريد، ولو كانت تأكُلُ معَهُ عَلَى العادة، ففي سقوط نفقتها وجهان:
أقيسهما: وهو الذي ذكره الرُّويانيّ في "البحر": أنها لا تسقط، وإن جَرَيَا على ذلك سِنِينَ؛ لأنه لم يُؤَدِّ الواجب، وتَطوَّع بما ليس بواجب.
والثاني: تسقط؛ فإنه اللائق بالباب، وسماه أحسن الوجهَيْن؛ لجريان الناس عليه
¬__________
(¬1) في ز: الخصومة.

الصفحة 21