كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 10)

ولو قالت المرأة، لا أُمَكِّنُ إلا في بَيْتِي أو في بيت كذا أو بلد كذا، فهي ناشزة؛ لأن التمكين التامَّ لم يُوجَدْ، وهكذا لو سَلَّم البائعُ المَبِيعَ، وشَرَط أن لا ينقله إلا إلى موضع كذا.
وهَرَبُ المرأة وخروجُها من بيت الزَّوْج والسفر بغير إذْنِهِ (¬1) نُشوزٌ أيضاً، ويستثنى عن الخروج ما إذا أشرف المنزل على الانهدام، أو كان المنزل لغَيْرِ الزوج، فأُزْعِجت.
ولو سافرت بإذنه، فإن كان الزوج معها، أو لم يكن، وكان السفر في حاجته؛ بأن بعثها لبَعْضِ أشغاله، وجبت النفقة، وإن كانت في حاجَتِها، فظاهر نصِّه -رضي الله عنه- هاهنا أنه تَجِبُ النفقة، وفي غير هذا الباب أنَّها لا تجب، وللأصحاب طريقان:
أحدهما: ويُحْكَى عن أبي إسحاق: القطع بعَدَمِ الوجوب؛ لخروجها عن قبضته، وإقبالها على شأنها، وحمل النص الأوَّل الدالُّ علىَ الوجوب على ما إذا كان الزوج مَعَها.
وأظهرهما: أن المسألة على قولَيْنِ:
أحدهما، أنَّها تجِبُ؛ لأنها سافَرَتْ بإذنه، فصار كما لو سافرت في حاجَتِهِ.
وأظهرهما: وبه قال أبو حنيفةَ وأحمد: المنع؛ لأنها غير ممكِّنة، وقد يبنيان على أن النفقة تَجِب بالعقد أو التَّمْكِين، إن قلْنا بالعقد بشرط عدم النشوز، وجَبَتْ؛ لأنه لا نُشُوز، وإن قلْنا بالتمكين، لم تَجِبْ؛ إذ لا تمكين.
الثانية: تجبُ النَّفَقَةُ للمريضة والمجنونة والرتقاء والمُضْناة الَّتي لا تَحْتَمِل الجماع، سواءٌ حدَثَتْ هذه الأحوالُ بَعْد ما سَلَّمَتْ نفسها، وما إذا سلَّمت كذلك؛ لأنَّ هذه الأعذار دائمةٌ وهي معذورةٌ فيها، وقد سلَّمت التسليمَ المُمَكِّن، وتَمَكَّنَ من الاستمتاعِ بها من بعض الوجوه، وكذا الحُكْم في أيام الحَيْض والنِّفاس، وألحق في "التهذيب" ما إذا غُصبت المرأة بما إذا هربت لا بما إذا مَرِضَتْ، وإن كانت معذورةً؛ لخروجها من قبضته فوات الاستمتاع بالكلِّيّة.
الثالثة: لو نَشَزَتِ المرأةُ، فغاب الزوج، فعادت إلى الطاعة، كما إذا خرجَتْ عن مَسْكَنِه بغير إذنه، ثم عادَتْ، وهو غائب، فهل يعود الاستحقاق للنفقة؟ فيه وجهان، وفي "التتمة" قولان:
¬__________
(¬1) قال الشيخ البلقيني: هذا إذا لم يكن مع زوجها والتحقيق فيه أنه إنما منعها من الخروج فخرجت ولم يقدر على ردها سقطت نفقتها وإلا فلا. انتهى.
وأشار في الخادم إلى ما ذكره الشيخ من التحقيق فقال: وقال بعض المتأخرين هو محمول على ما إذا لم يمنعها الزوج من السفر بل سكت وصارت معه متمكناً من الاستمتاع بها غير آمر بها بالرجوع مع تمكنة من رجوعها إلى آخر ما ذكره.

الصفحة 31