كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 10)

أحدهما: أنَّها للحَمْل، والحامل طريق وصول إليه، وربما يُنْسب هذا إلى القديم و"الإملاء"، ووُجِّه بأنها لا تجب لَوْلا الحَمْل، وتسقط إذا وضَعَت، وذلك يُشْعِر بأنها للحمل، وبأن الحمل يَسْتَحِقُّ النفقة والتربية بَعْد الانفصال، فكذلك قبله، بل هو قبل الانفصال أضْعَفُ، وأصحُّهما: أنها للحَامِلِ بسبب الحمل، ووُجِّه بأنها لو كانَتْ للحمل، لتقدرت بقَدْر كفايته، وبأنَّهَا تجب على المُوسِر والمُعْسِر، ولو كانت للحَمْل، لَمَا وجبت على المُعْسِر، وبأنها مختلفة القدر بيسار الزوج وإعساره، كما هو شأن نفقات الزَّوْجات، وبأن الولد بعْد الانفصال، إذا احتاج إلى حاضِنَةٍ، تجب النفقة للحاضنة، والحامل لا تَتَقاعَدُ عن الحاضنة، وهذا التوجيه الآخر ذكره الإِمام وغيره.
ثم الكلام في مسائل تَتَعلَّق أكثرها بهذَيْنِ القولَيْنِ.
إحداها: المعتدَّة عن فراق الفَسْخ، هل تستحق النفقة إذا كانت حاملاً؟ الذي حكاه الإمام وصاحب الكتاب: أنه، إن حَصَل الانفساخ بما لا مَدْخَل لها فيه، كرِدَّة الزوج فهو كالطلاق في استحقاق النفقة، كما أنه كالطلاق في تَشْطِير المَهْر، وإن كان لها فيه مَدْخَلٌ، كما إذا فسَخَتْ بخيار العتق أو بعَيْبٍ فيه أو فَسَخَ الزوج بعيب فيها؟ ففي النفقة قولان، والقولان عنْد أكثرهم مبنيَّان على أن النَّفقةَ للحَمْل أو للحَامِلِ؟ إن قلنا: للحمل، وجبت، وإلا، لم تجب، كما يسقط المهر بهذه الفسوخ قَبْل الدخول، ولم يرتَضِ الإمامُ هذا البِنَاء، وقال: إنَّما تُوجَبُ النفقةُ للحامل؛ لأنها كالحاضنة ومؤنة الحاضنة على الأب، ولا فَرْق في ذلك بين المُطلَّقة والمفسوخ نكاحُها، فلنوجه أحَدَ القولَيْنِ بالقياس على المُطَلَّقة.
والثاني: بأن القياس أن لا نَفَقَةَ بَعْد البينونة، والخروج عن مظنة الاستمتاع، وإنما خالفنا في المُطلَّقة؛ للنص، ووراء هذه الطريقة طريقتان، حكاهما الشيخ أبو عليٍّ.
إحداهما: طرد القولين في المعتدَّات عن جميع الفسوخ، بناءً على أنَّها للحمل أو للحامل؟ إن قلْنا للحامل، لم تجب؛ لأنها معتدَّةٌ لاَ عَنِ طلاق، فأشبهت المعتدَّة عن الشبهة، وهذا ما أورده صاحب "الشامل".
والثانية: وهي التي أوردها في "التهذيب" ونسبها الشيخ أبو عليٍّ إلى عامة الأصحاب؛ بأنه إن كان الفراق بسبب عارِضٍ، كالرضاع والرِّدَّة، فهو كالطلاق؛ لأنه قاطعٌ للنكاح، وإن استند إلى سبب قارِنُ العَقْد؛ كالعيب والغرور، ففيه قولان؛ لأن مثل ذلك يَرْفَعُ العقد من أصله، ولذلك لا يجب المَهْر، إذا لم يكن دُخُولٌ، وفي "التتمة" أن المفسوخ نكاحها تَسْتَحِقُّ النفقة، حيث قلْنا: إنها تستحق السكْنَى، وحيث قلنا: إنها لا تَسْتَحِقُّ السكْنَى، فتكون كالمعتدَّة عن وطء الشبهة، ففي نفقتها قولاَنِ، والكلام في السُّكْنَى قد تَقدَّم.

الصفحة 41