كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 10)

ويثبت الخيار بالإعسار بالكُسْوة؛ لأنه لا بُدَّ منها, ولا تَبْقَى النفس بدُونها، وفيها وجْهٌ آخَرُ: لأنها ليست من ضرورات الخِلْفة، ويقال: إن من الناس صنْفاً لا يلبَسُون الثِّيَاب، والظاهر: الأول. ومنهم مَنْ قطع به، وفي الإعْسَار بالمسكن وجهان:
وجه المنع: أن النفس تَقُوم بدُونِه، فإنها لا تَعْدَمُ مسجداً أو موْضِعاً مباحاً، وبهذا قال الشيخ أبو حامِدٍ فيما حكاه عن الشيخ أبي عَلِيٍّ سماعاً، ورجَّحه صاحب "التهذيب"، والأصحُّ: ثبوت الخيار؛ لأن الإنسان لا بُدَّ له من مسكن يأْوِيهِ من الحَرِّ والبَرْدِ يقيه، والحِوَالَةُ على المسجد كالحِوَالَة في النفقة على السؤال والْتِقَاطِ السنابل، وهذا أوجه، واختاره الشيخ أبو عليٍّ وابن الصبَّاغ والرُّويانيُّ، والإعسار بنفقة الخادمة لا يَثْبُت الخيار؛ على الظاهر المنصوص؛ لسهولة الصَبر عنْها، وأكثر الناس يقومون بأمرهم بلا خادم وذكر وجه: أنه يُثْبِت الخيار؛ لأنها نفقة مستحَقَّة بالنكاح، فأشبَهَتْ نفقة المخدومة.
الرابعة: في الإعسار بالمَهْر طرقٌ:
أحدها: وبه قال أبو عليٍّ وابن أبي هُرَيرَةَ والطبريُّ وأبو حفْصٍ ابن الوَكِيلِ والقاضي أبو حامِدٍ: أنه إن كان قَبْل الدخول، ففي ثبوت الخيار به قولان:
أحدهما: المنع؛ لأن النفْس تقوم بدون الصداق، فأشبه نفقة الخادمة.
والثاني: يثبت؛ لأنه عَجْزٌ عن تسليم العوضِ، والمُعَوَّضُ باقٍ بحاله، فأشبه ما إذا أفْلَسَ المشتري بالثمن، وإن كان بعد الدخول، فلا فسخ بلا خلاف؛ لأنه تلف المُعَوَّض، وصار العِوَض دَيْناً في ذمَّته، ولأن تسليمها يُشْعِر برضاها بذمته، وإذا مَنَعْنَاها مِنَ الامتناع بعد ما سَلَّمَت نفْسَها، فَلأَنَّ لا تُسلِّطَهَا على الفَسْخ كانَ أَوْلَى، وأظهرهما عند الشيخ أبي حامِدٍ والقاضي الرُّويانيِّ وغيرهما: أنه يَثْبُت الخيار قبل الدخول بلا خلاف، وفيما بعده قولان:
أحدهما: لا يثبت؛ لما ذكرنا.
والثاني، ويحكى عن نَصِّه -رضي الله عنه- في "الإملاء" أنه يثبت؛ لأنَّ البُضْع لا يتْلَفُ حقيقةً بوطأةٍ واحدةٍ، وقد أشير إلى بناء القولَيْن على تردد في أن المقابل بالمهر الوطاة الأُولَى فيكون المُعوَّض تالِفاً، ويمتنع الفَسْخ أو في مقابلة جميع الوطآت، فيكون بعض المعوَّض تالفاً، فيشبه بقاء بعْض المبيع في يدِ المُفْلِس.
والثالث: طرد القولَيْنِ في الحالَيْنِ.
والرابع: القطْعُ بثبوته قبل الدخول، وبالنفي بعْده وبه قال أبو إسحاق.
والخامس: القطْع بأنه لا يثبت في الحالتين، وهو الأصحُّ عند الإِمام وصاحب الكتاب -رحمهما الله-؛ لأنه ليس في فوات المَهْر وتأخيره مثْلُ ضَرَرِ فوات النفقة، وليس هو على قياسِ الأعواض، حتى ينفسخ العَقْد بتَعذُّره، ورتَّب مُرتِّبون المَهْر عَلَى

الصفحة 53