كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 10)

من أهل المواساة، وهذه النفقة مشروعة على وجْه المواساة، وفي "التهذيب" وغيره وجْه أنَّه لا يُشْتَرَطَ يَسَارُ الوالد في نفقة الولد الصغير, لأنه من تتمة مؤنة الاستمتاع، كنفقة الزوجة، فعَلَى هذا يستقرض علَيْه، ويؤمر بقضائه إذا أيسر، والأظهر الأولُ، ويباع في نفقة القريب ما يباع في الدين من العقار وغيره؛ لأن النفقة حقٌّ مَاليٌّ لا بَدَلَ له، فأشْبَه، الدّين، وعند أبي حنيفة -رحمه الله-: لا يباع العقار.
وكيف يباع العَقَار؟ حكى القاضي ابن كج فيه وجهَيْن:
أحدهما: أنه يباع كل يوم جزءٌ بقدر الحاجة.
والثاني: أن ذلك يشق، فيستقرض عليه إلى أن يجمع ما يسهل بيع العقار له.
وإن لم يكن له مال، ولكنه كان كسوباً يمكنه أن يَكْتَسِب ما يَفْضُل عنْه، فهل يؤمر بالاكتساب لنفقة القريب؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا، كما لا يُكلَّف الاكتسابَ لقضاء الدَّيْن.
وأصحُّهما: وهو الذي أورده أكثرهم، نعم؛ لأنَّه يلزمه إحياء نَفْسِه بالكسب فكذلك، إحياء بعْضه، وليست النفقة كالدين، فإن قدرها يسير، والدين لا ينضبط قدْرُه، وذكر في "التتمة" الخلافَ في أنه هل يجب الاكتساب لنفقة الوالد مع القطع بوجوبه لنفقة الوَلَدِ، وفرَّق بأن نفقة الوالد سبَبُها المواساة، فلا [يكلف] (¬1) أن يكتسب ليصير من أهل المواساة، وأما الولد فَسَبَبُ حصولها الاستمتاعُ فألحقت نفقته بالنفقة الواجبة للاستمتاع وهي نفقة الزوجة، وهذا ذهاب إلى أنه يَجِبُ الاكتِسَاب لنفقة الزوجة، وهو الظاهر، لكن في كلام الإِمام وغيره: أن في وُجُوب الاكتساب لنفقتها وجهَيْنِ مرتَّبَيْن على وجُوب الاكتساب لنفقة القريب، وهي أوْلَى بالمَنع، لالتحاق نفقتها بالديون، وليُعْلَم قوله في الكتاب: "وإنما تجب على الموسر" بالواو؛ للوجه المذكور في أن اليسار لا يُشْترط لنفقة الولد، ويجوز أن يُعْلَم قوله: "ويباع عبده وعقاره" مع الحاء بالواو؛ لأنه قد سبق في الدَّيْن ذكْرُ خلاف في بيع المَسْكَن والخادم، وذلك الخلاف عائد في النفقة.
الثالثة: مَنْ لَهُ مالٌ يكفيه لنفقته، لم تجب نفقته على القريب مجنوناً كان أو
¬__________
= ويستعمله في وضوئه وأكله وشربه ما لا غناء لمثله عنه، فإن وقع له خلل في شيء من هذا كله فلا يكلف نفقة الابن ولا أب. انتهى.
قال في القوت: وفسروا العيال بالزوجة، والظاهر أن أم الولد، وخادم الزوجة في حكمها، وجرى عليه في الخادم.
(¬1) في ز: يجب.

الصفحة 67