كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 12)

قال: الجَوَارحُ الكَوَاسِبِ (¬1).
وعن أبي حنيفَةَ رِوَايَتان كالقَوْلَيْنِ، والأشْهَرُ منها الأَوَّلُ.
وقولُهُ: "ولو مَاتَ تحت الكَلْب غَمّاً" يجوز أن يريد به غَمّه وغشِيهُ ويجوز أن يُرِيدَ أنه مَاتَ تحته حُزْناً، وهذه المسألة لَو أوْرَدَهَا في القسم الثالثِ لَجَازَ، وإنما أَوْرَدَهَا في المُثَقَّلاَتِ؛ لأنَّ الجَارِحَةَ والصورةَ هذه لمْ تجرح كالمُثَقَّلاتِ.
وقولُهُ: من قبل "أو أَلْقَاهُ في بِشْرٍ، فانْصَدَمَ" ليحملَ على أَنَّه تَسَبَّبَ إلى إِلْقَاءِ الصيدِ فيما يحفرها لضبطه، فمات الصَّيْدُ بالانْصِدَام، فأما إذا أخذ الصَّيْدَ، وصار مَقْدُوراً عليه، وأَلْقَاهُ في البِئْرِ، وهذا أَوْضَحُ من أن يحتاجَ إَلى ذِكْرِهِ.
الثانية: إذَا مَاتَ الصَّيْدُ بِسَبَبَيْنِ مبيح وحَاظِرٍ (¬2) فهو حَرَامٌ، تَغْلِيباً للتحريم، وذلك مِثْلُ أن يَمُوتَ بِسَهْمٍ وبَنْدَقَةٍ أصاباه من رَامٍ أوَ رَامِيَيْنِ، أو يصيب الصَّيْدَ طَرْفٌ من الفصلِ، فيجرحَهُ، ويؤثر فيه عُرْضُ السَّهْمِ في مُرُورِهِ، فيموت منهما، وكذا لو رمَى إلى الصيدِ سَهْماً، فوقع على طَرَفَ سَطْحٍ، ثم سقط منه، أو على جَبَلٍ فتدهور منه وتردّى، أو وقع فِي مَاءٍ، أو على شجر، فانْصَدَمَ بأغصانه؛ لأنَّهُ ماتَ منهما أو لا يدري أنه من أيهما مَاتَ، وكذلك الحُكْمُ لو وقَعَ على مُحَدّدٍ من سِكِّينٍ وغيره.
ولو تَدَحْرَجَ من الجَبَل من جنب إلى جنب؛ لم يَضُرَّ؛ لأنَّ ذلك ليس مما يُؤَثِّرُ في التلف، وإن أصاب السهمُ الصَّيْدَ في الهواء، فوقع على الأرض، وماتَ، حلَّ سواءٌ ماتَ قبل الوصولِ إلى الأرض، أو بعده، أو لم يُعْلَمْ أنَّهُ ماتَ قبله أو بعده؛ لأنَّ الوُقوعَ على الأَرْضِ لاَ بُدَّ منه، فيعفى عنه، كما يعض عن الذَّبْحِ في غيرِ المذبح عند التَّعَذُّرِ، وكما لو كانَ الصَّيْدُ قائماً، فوقع على جنبه لما أصَابَهُ السَّهْمُ، وانْصَدَمَ بالأرض.
وقَالَ مالكٌ: إن مَاتَ بعدما وَقَعَ على الأَرْضِ لم يَحِلَّ، والانزحاف قَليِلاً بعد إصابةِ السَّهْمِ، كالوقوعِ على الأَرْضِ، ولو لمْ يجرحه السَّهْمُ في الهواء ولكن كَسَرَ جَنَاحَه، فوقع فَمَاتَ، فهو حَرَامٌ؛ لأنَّهُ لم يصبه جُرْحٌ يُحَالُ الموت عليه، ولو كان الجُرْحُ خَفِيفاً لا يُؤَثِّرُ مِثْلُهُ، ولكن عَطَّلَ جَنَاحَهُ، فَسقَطَ، وماتَ، فكذلك قالَهُ في "النهايَة".
ولو وَقَعَ الصَّيْدُ من الهواء بعد ما أَصَابَهُ السَّهْمُ، وجرحه في بئر، فإن كانَ فيها مَاءٌ، فعلى ما سَبَقَ، وإن لم يكن فالصَّيْدُ حَلاَلٌ، وقَعْرُ البئرِ كالأرضِ [وليكن الغرض فيما إذا لم يصادفه جُدْرَانٌ] (¬3) البئر، ولو كان الطَّيْرُ [واقفاً] (¬4) على شَجَرٍ، فَأصَابَهُ
¬__________
(¬1) في ز: الكواسر.
(¬2) في ز: يحرم ومبيح.
(¬3) سقط في ز.
(¬4) في ز: واضعاً.

الصفحة 17