كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 12)

قال الرَّافِعِيُّ: التسمِيَةُ عند الذَّبْح، وعند الرَّمْي إلى الصيدِ، وإرسالِ الكلْبِ مُسْتَحَبَّةٌ، فلو تركَهَا عامِدًا، أو ناسِيًا -لمَ تُحَرَّمُ الذَّبيحةُ، لكن تركُهَا عامِدًا مكروهٌ. وفي "تعليق الشيخ أَبِي حَامِدٍ". أنَّه يأثَمُ به وساعدنا مالكٌ على أَنَّ متروكَ التسميةِ حلالٌ.
وقال أبُو حنيفةَ: إنْ تركَهَا عَمْداً لم تحلَّ، وإن نَسِيَ حلّ.
وعن أَحْمَد روايتانِ في الصيدِ.
إحْدَاهُما: كمذهَبِنا، والأُخْرَى كمذهب أَبِي حَنِيفةَ.
والثالثُ: أنَّه لا يحلُّ سواء تركهَا عمْدًا أو سَهْوًا.
الرَّابِعَةُ: أنها لا تلزمُ في الرمْي، وتلزم في إرسالِ الجوارحِ وأمَّا في الذَّكاةِ فعنده إنْ تركَ ناسِيًا حلَّ، وإنْ كانَ عامدًا ففَيه رِوَايتَانِ.
لنا ما رُوِيَ عن عائِشَة -رضي الله عنه- وأنَّ قوماً قالوا: يا رسولَ الله، إنَّ هنا أقوامًا حديثُ عهد بالشركِ يأتونَنَا بِلُحْمَان لا ندرِي أيذكرُون اسمَ الله عليْهَا أم لاَ؟ فقالَ -صلى الله عليه وسلم- "اذكُرُوا اسْم اللهِ وَكُلُوا" (¬1) ولو كانَت التسميةُ شرطاً للحِلّ لما ثبت الحلُّ عند الشكِّ فيهَا.
وعن البَرَاءِ بْنِ عَازب -رضي الله عنه- أنَّ النَبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلمُ يذبَحُ على
اسْمِ الله سَمَّى أو لمَ يُسَمِّ (¬2) ": وحُمِل لذلك قولُه تعالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] على ما ذُكِرَ عليه اسمُ غَيْرِ الله. واعلم لما ذكره: قوله في الكتاب: "وَلاَ يُشْتَرَطُ" بالحَاءِ والأَلِفِ، وهل يتأدى للاستحباب التسمِيةُ عند عضِّ الكلْبِ، وإصَابةِ السَّهْمِ؟ فيه وَجْهَانِ نُسِبَا إلى الشيخ أَبِي مُحَمَّدٍ.
أَحدُهمَا: لاَ؛ لأنَّها لم تَتَّصِلْ بابتداءِ الاسْتعمالِ.
وأَشْبهُهُمَا: نَعَمْ. لاِتِّصالِهَا بالحالةِ التي نالت الآلةُ الصيدَ كَالاتِّصالِ بحالةِ إِمْرارِ السكينِ على الحلْقِ، وهذا في تأدي الاستحباب بِكَماله، فأمَّا أصلُ الاستحبابِ عند الإِصَابةِ.
¬__________
(¬1) أخرجه البخاري (2057، 5507، 7398).
(¬2) لم أره من حديث البراء، وزعم الغزالي في الأحياء أنه حديث صحيح، وروى أبو داود في المراسيل من جهة ثور بن يزيد عن الصلت رفعه: ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر؛ لأنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله، وهو مرسل، ورواه البيهقي [9/ 239 - 240] من حديث ابن عباس موصولاً، وفي إسناد ضعف، وأعله ابن الجوزي بمعقل بن عبيد الله، فزعم أنه مجهول، فأخطأ: بل هو ثقة من رجال مسلم، لكن قال البيهقي: الأصح وقفه على ابن عباس، وقد صححه ابن السكن، وقال: وروي عن أبي هريرة وهو منكر، أخرجه الدارقطني [4/ 295 - 296] وفيه مروان بن سالم وهو ضعيف.

الصفحة 36