كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 12)
والثاني: سنَّة رسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- لا جَمِيعُها، بل بما يتعلَّق منها بالأحكام، وينبغي أن يعرف منهما العامَّ، والخاصَّ، والمطلَقَ والمقيَّدَ، والمُجْمَل والمبيَّن، والنَّاسِخ والمَنْسُوخ ومِنَ السنةِ؛ المتواتر والآحاد والمرسل والمسند وحال الرواة قوةً وضعفاً.
والثالث: أقاويل علماء الصحابة -رضي الله عنهم- فمَنْ بعدهم إجماعاً واختلافاً.
والرابع: القياس فيعرف جليَّة، وخفيَّة، ويميِّز الصحيح منه من الفاسد.
والخامس: لسانُ العرب لغةً وإعراباً، فإن الشريعة ورَدَتْ بالعربية، ومِنْ هذه الجهة يُعْرَفُ عموم اللفظ وخصوصه، وإطلاقه وتقييده وإجماله وبيانه.
قال علماؤنا -رحمهم الله-: ولا يُعتبَرَ التبحُّر في هذه العلوم، بل يكفي معرفة كل جمل منها، وزاد المصنِّف تحقيقاتٍ أوردها في أصول الفقه.
منها: أنه لا حاجة إلى تتبع الأحاديث على تفرُّقها وانتشارها, ولكن يكفي أن يكون له أصل مصحح، وقعتِ العنايةُ فيه بجمع أحاديث الأحكام؛ كسنن أبي داود (¬1)، ويكفي أن يعرف مواقع كلِّ باب، فيراجعه إذا احتاج إلى الفَتْوَى في ذلك الباب.
ومنها: أنه لا يحتاج إلى ضبْط جميع مواضع الإجْمَاع والاختلاف، بل يكفي أن يعرف في المسألة الَّتي يُفْتِي فيها أن قوْلَه لا يخالف الإجَماع، إما بأن يعلم أنه وافق قَوْلَ بعض المتقدِّمين، أو يغلب على ظنِّه أن الواقعة متولِّدَة في ذلك العصر، لم يخض فيها الأولون، وعلى هذا، قياس معرفة الناسخ والمنسوخ.
ومنها: أن كل حديث أجمع السَّلَف على قوله أو تواتَرَتْ عدالةُ رواتِهِ، فلا حاجة إلى البَحْث عن رواته، وما عدا ذلك فينبغي أن يكتفي في رواته بتعديل إمام مشهورِ عُرِف صحة مذهبه في التعديل، إلا، فَمَنْ دَرَجَ في الأحوال الماضِيَة، لا يُخْتُبَرُ، ولا
¬__________
(¬1) قال النووي: لا يصح التمثيل بسنن أبي داود فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام ولا محظمه، وذلك ظاهر، بل معرفته، ضرورية لمن له أدنى اطلاع. وكم في صحيح البخاري ومسلم من حديث حكمي ليس في سنن أبي داود. وأما ما في كتابي الترمذي والنسائي وغيرهما من الكتب المعتمدة فكثرته وشهرته غنية عن التصريح بها. والله أعلم.
وقد اعترض جماعة النووي فيما ذكره.
قال في القوت: وهذا الاعتراض الشنيع على الإِمام الغزالي إنما أوجبه فول المصنف "بجميع" تقليداً لبعض نسخ الرافعي والذي قاله الغزالي ونقله الرافعي وغيره عنه بجمع من غير ياء بعد الميم وهذا صحيح سبقه إليه البندنيجي ولا يخفى على من عنده أدنى علم ما ذكره وأنه لم يقع لأحد جمع جميع أحاديث الأحكام في تصنيف لأن ذلك غير ممكن وليس الاطلاع على جميعها شرطاً في صحة الاجتهاد.