كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 12)
يقضِ لهم خياركم، قض لهم شراركم (¬1).
فرع: من لا تقبل شهادته من أهل البدع لا يجوز تقليده القضاء، قال القاضي الماوَرْدِيُّ: وكذا لا يجوز تقليد من لا يقول بالإِجماع، أو لا يقول بأخبار الآحاد، وكذا القول في نفاة القياس، وهم الشيعة الدين لا يقولون بالاجتهاد أصلاً، بل يتتبعون النصوص، وإذا لم يَجِدُوا أَخَذُوا بقول سلفهم، وإن كانوا يجتهدون في فحوى الكلام، ويبنون الكَلاَمَ على عُمُوم النصوص وإشاراتها، ففي تقليدهم وجهان، والأظهر جوازه.
الفصْلُ الثاني: في الفتوى، ومهما لم يكن في الموضع إلا واحد يصلح للفتوى، تعيَّنَ عليه أن يفتي، وإن كان هناك غيره، فهو من فروض الكفايات، ومع ذلك فلا يحمد التسارع وإليه كانت الصحابة -رضي الله عنهم- مع مشاهدتهم التنزيل، يحيل
¬__________
= قال في القوت: قال ابن شداد: ما ذكره الغزالي لم أجده بغيره، وقال ابن أبي الدم لا تصح ولاية الفاسق ولا ينفذ حكمه ولا يقبل قوله لأن لا تقبل شهادته فرد حكمه أولى فلو ولاه الإِمام أو نائبه أو ذو الشوكة وحكم بين الناس على فسقه، لم تنفذ أحكامه قطعاً لا شك نيه لا يعرف فيه خلاف، وبه قطع العراقيون والمراوزة إلا الغزالي فقال: كذا ولا أعلم أحداً نقله غيره مع تصفح شروح المذهب والمصنفات فيه وجرى على ذلك ابن الصلاح، انتهى.
وقال في المهمات رداً على ابن شداد وابن الصلاح أن الرافعي حكى في البغاة عن المعتبرين أنه إذا كان قاضيهم لا يستحل دماء أهل العدل وأموالهم نفذ حكمه وإن استحلها لم ينفذ، ومنهم من أطلق نفوذه وبأن في البحر محتمل وجهين:
أحدهما: لا ينفذ ويتحاكمون إلى من هو أهل للقضاء، فإن لم يجدوا أهلاً له نفذت أحكامه.
وقال الشيخ الإِمام البلقيني أن الدارمي سبق الغزالي إلى كلام أعم مما قال فقال في الاستذكار إن ولي من ليس بأهل فعلى كل واحد عزله وتولية غيره، فإن لم يقدروا وأقضى لهم فقوله قضى لهم يعني نفذ قضاؤه للضرورة. انتهى.
وقال ابن الرفعة: الحق أنه إذا لم يكن ثم من يصلح للقضاء نفذ حكمه قطعاً وإلا فتردد. وقال الشيخ البلقيني أيضاً في تصحيح المنهاج: التعذر فيما ذكره غير معتبر، فإن السلطان ذا الشوكة إذا ولى فاسقاً ينفذ قضاؤه للضرورة، فإن لم يتعذر جمع هذه الشروط، وإذا تعذر جمع هذه الشروط فتولية المقلد صحيحة، وإن صدرت من غير ذي الشوكة والعبارة السديدة في ذاك وإن تعذر المجتهد مع تولية المقلد وإن لم يتعذر وولى سلطان له شوكة مقلداً مع وجود المجتهد أو جاهلاً مع وجود عالم أو فاسقاً نفذ قضاؤه للضرورة. انتهى وهو في غاية التحقيق.
(¬1) قال الحافظ في التلخيص: قال عمر بن شبة في كتاب السلطان له، نا محمد بن حاتم نا إبراهيم ابن المنذر نا إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز عن أبيه، عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: اجتمعت أنا ونفر من أبناء المهاجرين، فقلنا: لو رحلنا إلى معاوية، ثم قلنا: لو استشرنا أمنا عائشة، فدخلنا عليها، فذكرنا لها العيال والدين، فقالت: سبحان الله ما للناس بد من سلطانهم، قلنا: إنا نخاف أن يستعملنا، قالت: سبحان الله، فإذا لم يستعمل خياركم، يستعمل شراركم.