كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 12)
فاسدةٌ، ما لم يصرح بإثبات الاستقلال والله أعْلَمُ (¬1).
قَالَ الغَزَالِيُّ: الخَامِسَةُ التَّحْكِيِمُ جَائِزٌ عَلَى أَضْعَفِ القَوْلَيْنِ فِي الأَمْوَالِ، وَفِي النِّكَاحِ خِلاَف مُرَتَّبٌ وَأَوْلَى بِالمَنْعِ، وَفِي العُقُوَياتِ أَوْلَى بِالمَنْعِ مِنَ النِّكَاحِ، فَإِنْ كَانَ فِي البَلَدِ قَاضٍ فَهُوَ أَبْعَدَهُ، ثُمَّ إِنْ جَوَّزْنَا فَلَيْسَ لَهُ الحَبْسُ وَاسْتِيفَاءُ العُقُوَبةِ، وَلاَ يَنْفُذْ حُكْمُهُ عَلَى غَيْرِ المُتَراضِيَيْنِ حَتَّى لاَ يَضْرِبَ دِيَةَ الخَطَأَ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّاضِي بِحُكْمِهِ، وَهَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الرِّضَا بعَدْ الحُكْمِ لِنُفُوذِهِ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: هل يجوز أَن يُحَكِّم الخصمان واحداً من الناس ليحكم بينهما: وهل لحكمه اعتبار؟ فيه قولان:
أحدهما: لا؛ لأن تقليد القضاء من مناصب الإِمام، فلا يثبت للآحاد، ولأن فيه تفويت الحكومات على القاضي، وتفويت رأيه ونظره فيها.
والثاني: نعم؛ لما رُوِيَ أن عُمَرو أبَيِّ بْنَ كعْبٍ -رضي الله عنهما- تحاكما إلى زيْدِ بْن ثابتٍ (¬2)، وأن عثمان وطلحة تحاكَمَا إلى جُبَيرْ بن مُطْعم -رضي الله عنه (¬3) - ورُوِيَ أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ تَرَاضياً بِهِ، فَلَمْ يَعْدِلْ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ" (¬4) ولو لم يكن لحكمه اعتبار ولزوم، لَمَا كان لَهذَا التهْديد معنى، وهذا أضعف القولين عند الإِمام وصاحب الكتاب -رحمهما الله- وأقواهما عند المُعْظَم، منْهم الشيخ
¬__________
= شئت أو إلى فلان ولم يقل عني ولا عنك، فصحح البغوي أنه يحمل على كونه عن الوصي حتى لا يصلح ولم ينزل المطلق على ما يجوز.
قال في هامش أسنى المطالب: قلت ويمكن الفرق بأن المصنف منع وصاية الوصي إلا أن صرح الموصي بأن يوصي عنه بخلاف تولية القضاء فإنه جائز والظاهر من اللفظ إرادة الاستغلال.
(¬1) قال النووي: قول صاحب "القريب" أصح، وبه قطع الرافعي في "المحرر".
(¬2) رواه البيهقي [10/ 136] من حديث عامر الشعبي قال: كان بين عمر وأبي خصومة في حائط، فقال عمر: بيني وبينك زيد بن ثابت، فانطلقا، فطرق عمر الباب، فعرف زيد صوته، فقال: يا أمير المؤمنين ألا بعثت إليّ حتى آتيك، فقال: في بيته يوتى الحكم.
(¬3) رواه البيهقي [5/ 268] من رواية ابن أبي مليكة: أن عثمان ابتاع من طلحة أرضاً بالمدينة، بأرض له بالكوفة، ثم ندم عثمان فقال: بعتك ما لم أره، فقال طلحة: إنما النظر لي لأنك بعت ما رأيت، وأنا ابتعت مغيباً، فجعلا بينهما جبير بن مطعم حكماً، فقضى على عثمان: أن البيع جائز، وأن النظر لطلحة لأنه ابتاع مغيباً.
(¬4) قال ابن الجوزي في التحقيق: ذكر عبد العزيز من أصحابنا من نسخة عبد الله بن جراد فذكره، وتعقبه صاحب التنقيح فقال: هي نسخة باطلة، كما صرح هو به في الموضوعات, وبالغ في الحط على الخطيب، لاحتجاجه بحديث منها فيما مضى من كتاب التحقيق.