كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 12)
فمنها رويِ عن عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قال: "أمرنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَسْتَشْرِفَ العَيْنَ والأُذْنَ، وألاَّ نُضَحِّي بِمُقَابَلَةٍ ولا مُدَابَرةٍ ولا خَرْقَاءِ ولا شَرْقَاءَ" (¬1).
وقوله عليه السلام، نَسْتَشْرِف العينَ والأذُنَ، قِيلَ أي نتأمَّلُها وننظرُ فيهما، كَيْلاَ يقعَ فيها نقصٌ وعَيْبٌ (¬2).
وقِيلَ: أنْ نُضَحِّي بواسعِ العَيْنيْنِ، طويلَ الأُذُنِ.
والمقابَلَةُ: التي قُطِعت فلقةٌ مِنْ مقدَّم أُذُنِها.
والمُدَابَرَةُ: التي قُطِعت الفلقةُ من مُؤَخَّرِهَا.
والشَّرقاء: المشقوقةُ الأُذُنِ.
والخرْقَاءُ: التي يثقبُ أذُنُها من كَيٍّ أو غيره، فلا تُجْزِئُ التي اسْتُوْعِبَ أُذُنُها جِدعاً؛ لأنه ذهب منها عُضْوٌ مأكولَ.
ويُرْوَى أَنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى أَنْ يُضحَى بالمُصْفَرة، وفسرت المصفرة بالتي اسْتُوْصِلَتْ أُذُنُهَا. وذُكِرَ أنَّه مِنْ قولِهم: "صِفُرَ المكانُ إِذَا خَلاَ". وعن مالكٍ: أنَّها تُجزِئُ. وإن قُطِعَ بعضُ أذنها، نُظِرَ؛ إنْ أبين منها شيءٌ -لم تَجُزْ التضحيةُ بها، إِنْ كان المُبانُ كثيراً بالاضافة إلى الأُذُنِ وإن كان يسيراً -فوجهان:
أَظْهَرُهما: أنَّ الجوابَ كذلك [لذهاب جُزْءٍ] (¬3) مأْكُولٍ.
والثَّانِي: أنَّه لا يَمْنَعُ الإِجْزَاءَ -وبه قال القاضي الرُّوَيانِي، حين قال في "الحِلْية": وأنَّا أُرَخّصُ في أُنْمُلَةٍ أو ظُفْر، وذلك لأن الفلقَ الصغِيرَ يُعْتَنَى بها، بل يحذفُ مِنَ الرُّؤوسِ المشويَّةِ وأطراف الأدب الحاسية (¬4).
قال الإمامُ: وأقربُ العباراتِ في الفرقِ بين الجزْءِ الكبير واليَسِير أَنْ يُقال: إن كان النُّقْصانُ يلوحُ من بُعْدٍ، فالجزْءُ المُبانُ كثيرٌ، وإن كان لا يَلُوح مِنْ بُعدٍ -فهو صَغِيرٌ وإن لم يَبن منها شَيْءٌ، بل شُقَّ أو قُطِع طرفٌ وبِقِيَ مُتَدلِّيًا، فهذا لا يمنعُ الإجْزَاءَ.
وفيه وجه، وهو اختيارُ القفَّالِ: أنَّه يمنعُ؛ لأنَّ موضِعَ القطْعِ يتصلَّب ويصيرُ جِلْداً بعدما كان لَحْمًا.
¬__________
(¬1) أخرجه أحمد [851] وأصحاب السنن أبو داود [2804] الترمذي [1498] النسائي [7/ 216 - 217] ابن ماجة [3142] والبزار، وابن حبان والحاكم [4/ 222] والبيهقي [9/ 275]، واللفظ للنساني [7/ 216 - 217] وأعله الدارقطني.
(¬2) في ز: وغيرها.
(¬3) سقط في ز.
(¬4) في ز: الجانبية.