كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 12)
قال الرَّافِعِيُّ: المقصودُ الآن في صِفَاتِ الكمال في الأضْحيةِ وفيه مَسَائِلُ:
منها: [يُسْتحبُّ] (¬1) أن يختارَ للتضحيةِ الأَسْمنَ (¬2) الأكْمَلَ حتى أن التضحِيةَ بشاةٍ سَمِينة أفضلُ من التضحية بشاتَيْن (¬3) دُونَها؛ لأن لحمَ السَّمِينِ أطيبُ وفسر بعضُهم الشِّعَارَ في قوله تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} بِاسْتِسْمَانِ الهدْيِ وَاسْتِحْسَانِه.
وفي الخبر: "عَظِّمُوا ضَحَايَاكُمْ؛ فَإنَّهَا عَلَى الصِّرَاطِ مَطَايَاكُمْ" (¬4).
قِيلَ معناه: أنها تهَيَّأُ مَرَاكِبَ.
وقِيل يسهل بالتضحية الجوازُ على الصراطِ.
وذكر الشَّافِعِيُّ -رضي الله عنه-: أنَّ في التضحيةِ استِكْثَارَ القِيمَةِ أَحَبُّ من استكثارِ العَدَدِ، وفي العِتْق استكثارُ العَددِ أَوْلَى؛ وسبُبه أن المقصودَ -هاهنا- اللحمَ، ولحمُ السَّمِين أكثرُ وأَطْيبُ. والمقصودُ في العِتْق التخلِيصُ من الرِّقِّ، وتخلِيصُ عَدَدٍ أَوْلَى، [من تَخْلِيص وَاحدٍ] (¬5) وكثرَةَ اللحمِ في الأُضْحية خيرٌ من كثرة الشَّحْم، إلاَّ أن يكونَ لحمُها حسناً. ومنها: التضحيةُ بِسَبْعٍ من الغنم أفضلُ من التضحيةِ بَبَدَنَة أو بَقَرةٍ أو بالعَكْسِ أَفْضَلُ؟ فيه وجهان:
أَظهرُهما: وهو المذكورُ في الكتاب أَنَّ الأوّلَ أفضلُ؛ لأن لحمَ الغَنَمِ أطيبُ ولأن الدَّمَ المُرَاقَ أكثرُ والقُرْبةُ تزيد بحسبه.
والثَّانِي: أن العَكْسَ أَفْضَلُ؛ لأنَّ اللحْمَ أكثرُ.
وقد يؤدي التعارضُ في مِثْل هذا إلى التساوي، ولم يذكروه. والبدنةُ أَحبُّ من البقرة، والبقرةُ أحبُّ من الشاةِ والضأْنُ [مِنَ المعْزِ.
وقال مَالِكٌ: الأفضلُ الضأن] (¬6) ثم البقرة ثم البدنةُ.
لنا ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَذْبَحُوا إِلاَّ الْبَدَنَةَ إِلاَّ أن يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَاذْبَحُوا الْجَذَعَ مِنَ الضأْنِ" (¬7). وقال -صلى الله عليه وسلم- في الجُمعَةِ: "مَنْ رَاحَ في السَّاعَةِ الأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ
¬__________
(¬1) سقط في ز.
(¬2) في أ: الأسم.
(¬3) في ر: بشاة.
(¬4) تقدم.
(¬5) سقط في ز.
(¬6) سقط في ز.
(¬7) أخرجه مسلم [1963] وأبو داود [2797] والنسائي [7/ 218] وابن ماجة [3141] من حديث جابر، وقالوا كلهم: لا تذبحوا إلا مسنة، وكأن المصنف ساقه بالمعنى، فقد قال النووي في شرح مسلم نقلاً عن العلماء: المسنة الثنية من كل شيء، من الإبل والبقر والغنم فما فوق ذلك، وقال المنذري: المسنة التي لها ثلاث ودخلت في الرابعة، وقيل التي دخلت في الثالثة. قاله الحافظ.