كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 13)

المروءة، فتسقط الثقة بقوله، وحيث لا يستعظمون، لا يكُونُ مطْلَقُ الإِقدام مُشْعِراً بتَرْكِ المبالاةِ، وسقطِ "المروةِ" فحينئذ يقع النظر في أنه من الصَّغائر أو الكبائر، وهذا ما عناه صاحبُ الكتاب بقوله "إلا في بلدة يَعْظُم عندهم" إلى آخره أي فتردُّ شهادته، وإن لم يَفْسُق وقوله: في أول الفصل "واللعب بالشطرنج" ليعلم "الشطرنج" بالحاء والميم والواو، "والحمام" بالحاء، والميم و"سماع الغناء" بالواو، وكذا قوله: "وإن كان فيه جلاجلُ" وكذا لفظ "النّرد" والمعازفُ هي الملاهِي التي يُلْعَبُ بها يُقَالُ: عَزَفَ عَزْفاً، واسْمُ المعَازِفِ تشْمَل الأوتار، والمزامِيرَ.
وقوله: "وما هو من شِعَار الشُّرْب" الشَّرب جمع شَارِبٍ كصَاحِبٍ وصَحْبٍ، ويمكن أن يقرأ بضم الشِّين أي شِعَار شُرْب الخمر.
وقوله: "ولكن لا تُرَدُّ الشهادة بالمرَّة الواحدة" يعلم بالواو.
وقوله: "وليس يخلو الإِنسانُ عن كِذْبَةٍ" إلى آخره محْضُ تكرارٍ، وقد ذكر في الفصل السابق ما يفيد معناه.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَالنَّصُ أَنَّ الحَنَفِيَّ إِذَا شَرِبَ النَّبِيذَ حُدَّ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لاَ يُحَدُّ، وَوَجْهٌ أنَّهُ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: الخَمْرُ العِنَبِيَّةُ التي لم يَشبْهَا ماءٌ ولا طُبِخَتْ بنارٍ محرَّمةٌ بالإِجماع، ومن شربها عالماً بحالها، فهو محدودٌ مردود الشهادةِ، سواءٌ شرِبَ قدراً يُسْكِرَ أو قدراً لا يسكر، قال أصحابنا العراقيون: وكذلك حُكْمُ بائِعِها ومُشْتَرِيها في ردِّ الشهادة ولا تُردُّ الشهادة باتِّخَاذها وإمساكها، إن قصد به التخلل أو التخليل، والمطْبُوخ من عصير العنب المختلَفِ في تحريمِهِ وسائرُ الأنبذة، إِن شَرِب منها القدْرَ المُسْكِر، يُحَدُّ وتردُّ شهادته أيضاً، وإنْ شرب منها القَلِيلَ، فإِما أن يعتقدَ إباحَتَه، كالحنفيِّ، أو يعتقدَ تَحْرِيمه، أما الأولُ، ففيه ثلاثة أوْجُه:
أحدُها: أنَّه لا يحدُّ، لشبهة اختلاف العلَماءِ، ولا تردُّ شهادته؛ لأنه لم يرتكبْ ما يعتقدُهُ محظوراً حتَّى يسقط الوثُوقُ به.
والثاني: وبه قال مالكٌ: أنه يُحَدُّ وتُردُّ شهادته، أما الحدُّ، فلُقوَّةِ أدلَّة التحريم والحاجَةِ إلى الزَّجْر، وأما ردُّ الشهادة؛ فلأنه شَرِبَ ما يُسْكِر، فتردُّ شهادَتُه، كما لو سكر.
وثالثُها: وبه قَالَ أحمدُ: أنه يُحَدُّ ولا تُرَد شهادَتُه، وهو الأظْهَر عند عامَّة الأصحاب -رحمهم الله-، واستبعده المُزَنِيُّ، فقال: الحد أعظمُ من ردِّ الشهادة، فكيف يحَدُّ ولا تردُّ شهادته، قيل: هذا ذهابٌ منه إلَى أنه تردُّ شهادته، قيل كما يحدُّ، وقيل: بل إلَى أنه لا يحدُّ كما لا تردُّ شهادته، وأجاب الأصحاب بأن الحد إلى الإِمامِ، فاعتبر

الصفحة 19