كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 13)

ومنه الإِكباب على اللَّعِب بالشِّطْرنجِ والحَمَامِ والغناءِ علَى ما سبق، ومنه أن يبتذل الرجُلُ المعتبرُ بنقل الماء والأطعمة إلَى بيته، إذا كان ذلك عن شحِّ وضنَّة وإذا كان عن استكانةٍ واقتداء بالسَّلَف التارِكِينَ للتكليف، لم يقدح ذلدُ في المُروءة، وكذا لو كان يلبس ما يجدُ وياكل حيث يجدُ؛ لتعلُّله وبراءته من التكلُّفات العاديَّة، وهذا يعرف بتناسب حال الشخص في الأعمال والأخلاق وظُهُورِ مخايِلِ الصِّدْق ولا يبديه، وقد يُؤثِّر فيه الزيّ واللبسة وأهل الحِرَفِ الدنيَّة؛ كالحجَّام والكنَّاس والدَّبَّاغ والقَيِّم في الحمام والحَارِس والنَّخَّال، قال صاحبُ "التهذيب" وغيره: والإِسكافُ والقَصَّاب في شهاداتهم وجهان:
أحدهُمَا: أنها لا تُقْبَل؛ لأن اشتغالهم بهذه الحِرَف ورضَاهُمْ بها يُشْعِر بالخسَّة وقلَّة المروءة.
فأصحهما: القَبُول؛ لأنَّهَا حرفٌ مباحةٌ، والناسُ محتاجون إلَيْها، ولو ردَدْنا شهادتهم، لم يُؤْمَن أن يتركُوها، فيعمَّ الضررُ، وفي الحياكة طريقان:
أحدُهُمَا: القطْع بالقبول، واختاره القفَّال، توجهاً بأن محلَّ عملهم ما هو محلّ عمل الخياط، إلا أن هذا منسوج وذلك غير منسوج.
وأشبَهُهُمَا: طرد الوجهَيْن، لإِزراء الناس بهِمْ، وعدِّهم النسبة إلى الحياكةِ سبّاً وإيذاءً، وَحَكَى أبو العباس (¬1) وجْهاً فارقاً بْين ما يُحْوِج إلَى مخامَرَةِ القاذورات، والنجَاسَات وبَيْن ما لا يحوج إلَيْه، فيقع الحارسُ والنَّخَّالُ والحائِكُ في القسْم الثانِي، والباقُونَ في الأَوَّل، وفي كتاب القاضي ابن كج أنَّ بعْضَ الأصحاب ألحقَ الصَّبَّاغِينَ والصَّوَاغِينَ بمَنْ تُردُّ شهادتهم، والصَّحيحُ القطعُ بالقبول، نعم، من يكثر منهم ومن سائر المحترفة الكذب والخُلْفَ في الوعد، تُردُّ شهادته لذلك، ثم الكلام في موضع الوجهَيْن من وجهَيْن:
أحدُهُما: قال صاحبُ الكتاب: الوجهان فيمن يليقُ به هذه الحِرَفُ، وكان ذلك من صنعة آبائه، فأما غيره، إذا اختارهاَ، واشتغل بها، سقَطَت مُرُوَّته، وهذا حَسَنٌ، وقضيته أن يُقَالَ: الإِسكافُ والقَصَّاب، إذا اشتغلا بالكَنْس بَطَلَتْ مروءتهما بخلاف العَكْس (¬2).
والثاني: الَّذِينَ يخامِرُون النَّجَاساتِ، إنَّما يجري فيهم الوجْهان، إذا حافَظُوا على الصلوات، واتخذوا لها ثياباً طاهرةً، وإلا، فتردُّ شهادتُهم بالفِسْق (¬3).
¬__________
(¬1) في ز: الفياض.
(¬2) قال النووي: لم يتعرض الجمهور لهذا القيد، وينبغي أن لا يقيد بصنعة آبائه، بل ينظر هل يليق به هو أم لا.
(¬3) قال في القوت: قال القاضي الحسين إن استعمل الإِسكاف شعر الخنزير ولم يغسل ثوبه ويديه منه، لم يقبل منه وكذا إن غسلهما في الأصح وإن استعمل غيره وغسل النجاسة قبلت شهادته على الأصح. وفي تعليق البغوي أن استعمال المهلب هل يكون فسقاٌ يحتمل وجهين إن قلنا فسق ردت شهادته وإلا فوجهان، انتهى.

الصفحة 22