كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 13)

الدَّيْن؛ لأنهما لا ينتفعان بهذه الشهادةِ، ولا ينظر هاهنا إلى نقل الحق من شخص إلى شخص لأن الوارث خليفةُ المورِّث، فكأنه هو، ذكَر ذلك كلَّه القاضِي أبو سعْدٍ الهرويُّ شارحه، وإذا شهد شهودٌ بقتل الخطأ، فشهد اثنانِ من العاقلة بِفِسْقِ الذين شَهِدُوا بالقتل لم يُقْبَلُ شهادَتُهما؛ لأنهما يدْفعَانَ ضَرَر التَّحمُّل، وكذا لو كان أحدُهُم مزكياً بجُرْح شهودِ القَتْل، وكذا لو شهد اثنانِ عَلَى مِفْلِسٍ بدَيْن، فشهد غرماؤه الظاهرون بفسقهما، لم يُقْبَلْ شهادتهم؛ لأنهم يدْفَعُون بها ضَرَر مزاحمةِ المدَّعِي ولو شهد اثنانِ لاثنين بوصيَّة من تركةٍ، فشهد المشهودُ لَهُمَا للشاهدَيْن بوصيَّةٍ من تلْك التركةِ أو شَهِدَ الواحدُ فشهد المشهود له مع آخر بوصيَّة للشاهدَيْن، فعن صاحب "التقريب": أنها لا تُقْبَلُ لتهمة المواطأَة، ويُقال: إنه رواه الربيع عن النصِّ، ومذهب أبي حنيفَة، وليكن المنعُ المطْلَقُ فيما إذا شَهِد الآخران قبل أن يحكم القاضي بشهادة الأوَّلَيْن، فإِنْ حكم ثُمَّ شهد الآخران، فيجوز أن يختص المنعُ بالآخَرين، ويجوز أن يُجْعَل بمثابةِ ما إِذَا بانَ فِسْقُ الشهود بَعْد الحكم، والصحيحُ قبولُ الشهادَتَيْنِ؛ لأنَّ كلَّ بينةٍ منفصلةٌ عن الأخرَى، ولا يجرُّ شاهد بشهادته نَفْعاً إلَى نفسه ولا يدفع بها ضرراً؛ ولذلك نقول: رفقاءُ القافلة يجُوزُ أن يَشْهَدَ بعضْهُم لبعضٍ في قطْع الطريق، إذا قال كلُّ واحد منْهم: أخذ مالي فلانٌ، ولم يقلْ: مالَنَا، على ما هو مذكورٌ في "باب قاطع الطريق".
قَالَ الغَزَالِيُّ: الثَّانِي: البَعْضِيَّةُ: فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الوَلَدِ وَالوَالِدِ، بَلْ لِلْفُرْوعِ وَالأُصُولِ وَكُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَتَقْبَلُ (ح م) شَهَادَةُ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ للآخَرِ عَلَى أَحَدِ القَوْلَيْنِ، وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِالزِّنَا مَعَ ثَلاَثةٍ مِنَ العُدُولِ، وَتُقْبَلُ عَلَى الوَلَدِ وَعَلَى الوَالِدِ وَإِنْ كَانَتْ بِعُقُوبَةٍ. وَفِي حَبْسِ الوَالِدِ بِدَيْنِ وَلَدِهِ وَجْهَانِ، وَلَوْ شَهِدَ بِمَالٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ وَلَدِهِ وَأَجْنَبِيِّ رُدَّ فِي حَقِّ وَلَدِهِ، وَفِي حَقِّ الأَجْنَبِيِّ وَجْهَانِ لِتَبْعِيضِ اللَّفْظِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: ومن أسباب التهمة البعضيةُ، فلا يُقْبَلُ شهادةُ الوالدِ لولدِهِ، ولا لوَلَدِ ولدِهِ، وإن سَفَل، ولا شهادةُ الولَدِ لوالدِهِ، ولا لواحِدٍ من أصولِهِ، وإن علا؛ لأن المشْهُود له بعضُهُ، فشهادته له كشَهَادَتِه لنفسه، وقد رُوِيَ أنه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلاَ خَائِنَةٍ، وَلاَ ظَنِينٍ فِي قَرَابَةٍ" (¬1) ورُوِيَ في الخَبَرِ "لاَ يَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِلْوَلِدِ، وَلاَ الْوَلَدِ لِلْوَالِدِ" وعن ابن القاصِّ رواية قولٍ عن القديم: أَنَّ شهادة كلِّ واحدٍ منهما للآخِرَ مقبولةٌ، وبه قال المُزَنِيُّ واختاره ابْنُ المُنْذِرِ -رحمهما الله- والمَذْهَبُ الأَوَّلُ وساعدنَا عليه أبو حنيفةَ -رحمه الله- وكذلك مالكٌ فيما نقله ابنُ الصَّبَّاغ -رحمهما الله- وغيره، وفي "التهذيب" أن عنده تُقْبَلُ شهادة الولَدِ للوالِدِ، ولا تُقْبِلُ شهادة الوالِدِ للولد؛
¬__________
(¬1) تقدم من حديث عائشة وغيرها.

الصفحة 25