كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 13)

بسم الله الرحمن الرحيم

كِتَابُ الشَّهَادَاتِ، وَفِيهِ أَبْوَابٌ سِتَّةٌ
البَابُ الأَوَّلُ فِيمَا يُفِيدُ أَهْلِيَّةَ الشَّهَادَةِ
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَهِيَ التَّكلِيفُ وَالْحُرِّيِّةُ وَالإِسْلاَمُ، وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ أَصْلاً، وَلاَ عَلَى كَافِرٍ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: تَعَرُّضُ الكتابِ والسنَّة للشهادَةِ (¬1) وأحْكَامِه مستفيضٌ واضحٌ؛ كقوله
¬__________
(¬1) الشهادات: جمع شهادة: وتجمع باعتيار أنواعها، وإن كانت في الأصل مصدراً تعريف الشهادة: للشهادة في اللغة معانٍ:
منها: الإِخبار بالشيء خبراً قاطعاً، تقول: شهد فلان على كذا، أي أخبر به خبراً قاطعاً.
ومنها: الحضور تقول شهد المجلس أي حضرة قال تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} وَقَالَ عَلَيْه الصَّلاَةَ وَالسَّلاَمُ: "الْغَنِيمْةِ لِمَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ" أي: حضرها.
ومنها: الاطلاع على الشيء، ومعاينته تقول: شهدت كذا، أي: اطلعت عليه، وعاينته.
ومنها: إدراك الشيء تقول: شهدت الجمعة. أي أدركتها.
ومنها: الحلف تقول: أشهد بالله لقد كان كذا، أي: حلف.
ومنها: العلم، قال تعالى: {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} أي عليم، والفعل من باب علم، وقد تسكن هاؤه فتقول: شهد فلان شهادة، وجمع الشاهد بشُهُد وشهود وأَشْهَادٌ، والمشاهدة: المعاينة.
وفي عرف أهل الشرع: -إخبار صدق لإِثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء، ولو بلا دعوى، فالإِخبار كالجنس يشمل الشهادة وَغيرها من الأخبار، وقولنا: صدق فصل يخرج الأخبار الكاذبة، فإطلاق الشهادة على الزور مجاز من حيث المشابهة الصورية، كإطلاق اليمين على الغموس، فإن حقيقة اليمين عقد يتقوى به عزم الحالف على الفعل أو الترك في المستقبل.
والغموس: الحلف بها كذباً عمداً، وقولنا: لإِثبات حق يخرج قول القائل في مجلس القضاء أشهد بكذا لبعض العرفيات، ونحو أشهد بأن النار محرقة، أو السراج مضيء، وأمثال ذلك مما لم يقصد به إثبات حق.
وقولنا: بلفظ الشهادة: يخرج الإِخبار بلفظ آخر غير هذا اللفظ كالعلم واليقين فيتعين لفظ أشهد المتضمن معنى المشاهدة، والقسم، والإِخبار في الحال، فكأن الشاهد قال: أقسم بالله لقد اطلعت على ذلك، وأنا أخبر به، وهذه المعاني مفقودة في غيره من الألفاظ فلهذا اقتصر عليه، ولا يخلو من معنى التعبد. =

الصفحة 3