كتاب العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير ط العلمية (اسم الجزء: 13)

وشهودُ الحسبة يجيئون إلى القاضي، ويقولون: نَشْهَد علَى فلانٍ بكذا، وأحضروه لنشهد عليه، وإن جاءوا وقالوا: إن فلاناً زَنَا، فهُمْ قذفةٌ، وفي الفتاوى أنَّه لو جاء رجُلانِ، فشهدا بأن فلاناً أخُو فلانةٍ في الرَّضَاع لم يكْفِ حتى يقولان: وهو يريد أن ينكحها، وأنه لو شَهِدَ اثنانِ بالطَّلاق، وقضى القاضِي بشهادَتِهما، ثم جاء آخران يَشْهَدان بأخُوَّة الرضاع بين المتناكحَيْن، لم تقبل هذه الشهادة، إذْ لا فائدة لها في الحالِ بقولهما ولا عبرة بكونها يشهدان لئلا يتناكَحَان من بعْد، وأنَّ الشهادة علَى أنه أعتق إنما تُسْمَعُ، إذا كان المشهودُ علَيْه يسترقُّ من أعتقه، وهذه الصورةُ تُفْهِمُ أنْ شهادة الحسبة إنَّما تُسْمَع عند الحاجة، ولو جاء عبدا إنسان إلى القاضي، وقالا: إن سيِّدَنا أعتق أحَدَنا، وقامَتْ على ما يقولان بيِّنةٌ، سُمِعت، ولو كانتِ الدعْوَى فاسدةً؛ لأن البينةَ علَى العتْق مستغنيةٌ عن تقدُّم الدعْوَى.
وليُعْلَم من لفظ الكتاب قوله: "والعتاق" بالحاء، وقوله: "والعفو عن القصاص" بالواو؛ لمَا بيَّنَّاه، والله أعلم.
قَالَ الغَزَالِيُّ: وَتَقْبَلُ شَهَادَةُ البَدَوِيِّ عَلَى القَرَوِيِّ وَالقَرَوِيِّ عَلَى البَدَوِيِّ، وَشَهَادَةُ المَحْدُودِ فِي القَذْفِ إِذَا تَابَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: لما تكلم في الصفات المعتبرة في الشهود وبَيَّنَ في خلالها ما يمنع قبول الشهادة تكلم في أمور ظن ظانون أنها من موانع القبول.
منها: شهادة البدوي على القروي وبالعكس مقبولة، وقال أحمد: لا تُقبل شهادة البدوي على القروي وبه قال مالكٌ إلا في القتل والجراجات، قالا؛ لأن القروي لا يدخل إلى البادية للإِشهاد لكن البدوي قد يدخل القرية فيشهد والأمر في هذا لا ينضبط.
ومنها: شهادة المحدود في القذف وغيره بعد التوبة مقبولة في جنس ما حدَّ به وفي غيره، وعند أبي حنيفة شهادةُ المحدود في القذف لا تقبل وإن تاب، وقال مالكٌ كل من حد في معصية لم تُقبل شهادتُه فيما حد فيه، ومن هذا القبيل شهادة ولد الزنا مقبولة ويجوز أن يكون قاضياً ولكن لا يمكن أن يكون إماماً؛ لأن النسب مشروط في الإِمامة وقال مالكٌ لا تُقبل شهادة ولد الزنا، واعلم أن شهادة الأخرس الذي لا يعقل الإِشارة لا اعتبار بها، وإن كان يعقل الإِشارة فقولان عن تخريج ابن سريج:
أحدهما: أنها مقبولة اعتماداً على الإِشارة كما في عقوده ويُحْكَى هذا عن مالكٍ واختيار الحناطي والقاضي أبي الطيب -رحمهم الله-.
والثاني: المنع؛ لأن الإِشارة لا تصرح وإنما تفيد ظناً، ونحن في غنية عن شهادته

الصفحة 37