كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
لهذه القرينة بدأ بلفظ الإنس لفضلهم وكمالهم.
وأما تقديم "السماء" على "الأرض"؛ فبالرتبة -أيضاً- وبالفضل والشرف.
وأما تقديم "الأرض" في قوله: {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [يونس: ٦١]؛ فبالرتبة -أيضاً- لأنها منتظمة بذكر ما هي أقرب إليه، وهم المخاطبون بقوله: {وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ} [يونس: ٦١]؛ فاقتضى حُسْن النظم تقديمها مَرْتبةً في الذكر مع المخاطبين الذين هم أهلها، بخلاف الآية التي في "سبأ"، فإنها منتظمة بقوله: {عَالِمِ الْغَيْبِ} [سبأ: ٣].
وأمَّا تقديم "المال" على "الولد" في كثير من الآي؛ فلأن الولدَ بعد وجودِ المالِ نعمةٌ ومسرَّةٌ، وعند الفقر (ق/ ٢٤ ب) وسوء الحال همٌّ ومضرَّة، فهذا من باب تقديم السبب على المسبب؛ لأنَّ المال سبب تمام النعمة بالولد.
وأما قوله: {حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عمران: ١٤] فتقديم النساء على البنين بالسبب، وتقديم [البنين] على [الأموال] بالرتبة (¬١).
ومما تقدَّم بالرتبة ذكر "السمع والعلم" حيث وقع، فإنَّه خبر يتضمَّن التخويف والتهديد، فبدأ بالسمع لتعلُّقه بما قرب كالأصوات (ظ/١٨ ب) وهمس الحركات؛ فإن من سمع حِسَّك وخَفيَّ صوتك أقربُ إليك - في العادة - ممن يقال لك: إنه يعلم، وإن كان علمه
---------------
(¬١) في الأصول: "وتقديم الأموال على البنين بالرتبة"، والتصويب من "النتائج".