كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
بهذا الفعل الذي هو الركوع، وأنه (¬١) لا يلزم أن يكون في البيت ولا عنده، فلذلك لم يجئ بلفظ الجمع المسلَّم؛ إِذ لا يحتاج فيه إلى بيان لفظ الفعل، كما احتيج فيما قبله.
ثمَّ وصَفَ {الرُّكَّعِ} بالسجود، ولم يُعْطَف بالواو كما عطف ما قبله؛ لأنَّ {الرُّكَّعِ} هم {السُّجُودِ}، والشيءُ لا يُعْطَف بالواوِ على نفسه؛ ولفائدةٍ أُخرى: وهو أن السجود أغلب ما يجيء عبارة عن المصدر، والمراد به هاهنا الجمع، فلو عطف بالواو لتُوُهِّم أنَّه يريد السجودَ الذي هو المصدر دود الاسم الذي هو النعت؛ وفائدةٍ ثالثة: أن الراكع إن لم يسجد فليس براكع في حكم الشريعة (ظ/١٩ أ)؛ فلو عطفت هاهنا بالواو لتُوُهِّمَ أن الركوعَ حكم يجري على حِيَالِه.
فإن قيل: فلم قال: "السجود" على وزد "فُعُول"، ولم يقل السُّجَّد كالرُّكَّع، وفي آية أخرى: {رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح: ٢٩]، وَلمَ جُمِع "ساجد" على "سجود"، ولم يُجْمع "راكع" على "ركوع".
فالجواب: أن السجود في الأصل مصدرٌ كالخشوع والخضوع، وهو يتناول السجود الظاهر والباطن، ولو قال: "السُّجَّد" في جمع "ساجد" لم يتناول إلا المعنى الظاهر. وكذلك "الرُّكَّع" ألا تراه يقول: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} [الفتح: ٢٩] وهذه رؤية العين، وهي لا تتعلق إلا بالظاهر، والمقصود هنا الركوع الظاهر لعطفه على ما قيله مما يُراد به قصد (¬٢) البيت، والبيت لا يُتَوجه إليه إلا بالعمل الظاهر.
وأما الخشوع والخضوع الذي يتناوله لفظ "الركوع" دون لفظ
---------------
(¬١) (ق): "لهذا".
(¬٢) (ق): "فضل".