كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
الثاني: أن هذه الأفعال هي أجزاء فعل واحد مأمور به وهو الوضوء، فدخلت الواو عاطفة لأجزائه بعضها على بعض، والفعل الواحد لابدَّ (¬١) من ارتباط أجزائه بعضها ببعض، فدخلت الواو بين الأجزاء للربط، فأفادت الترتيبَ، إذ هو الربط المذكور في الآية، ولا يلزم من كونها لا تفيد الترتيب بين أفعال لا ارتباط بينها، نحو: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} أن لا تفيده بين أجزاءِ فعلٍ مرتبطة بعضها ببعض. فتأمل هذا الموضع ولطفه، وهذا أحد الأقوال الثلاثة في إفادة الواو للترتيب، وأكثر الأصوليين لا يعرفونه ولا يحكونه، وهو قول ابن أبي موسى (¬٢) من أصحاب أحمد، ولعله أرجح الأقوال.
الثالث: أن لبداءة الرَّب تعالى بالوجه دون سائر الأعضاء (¬٣) خاصة؛ فيجبُ مراعاتها، وأَن لا تُلغى وتُهدر (ق/ ٢٧ أ) فيُهْدَر ما اعتبره الله ويُؤخَّر ما قدَّمه الله، وقد أشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ما قدَّمه الله؛ فإنَّه ينبغي تقديمه ولا يؤخَّر، بل يُقدم ما قدم الله ويؤخر ما أخر (¬٤)، فلما طاف بين الصفا والمروة بدأ بالصفا، وقال: "نَبْدَأُ بمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ" (¬٥)، وفي رواية للنسائي: "ابْدَؤوا بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ" (¬٦) على الأمر، فتأمل
---------------
(¬١) ساقطة من (ظ)، وفي المطبوعة: "يحصل".
(¬٢) هو: محمد بن أحمد بن أبي موسى، أبو علي الهاشمي القاضي الحنبلي، ت (٤٢٨)، له تصانيف. انظر: "طبقات الحنابلة": (٣/ ٣٣٥).
(¬٣) "دون سائر الأعضاء": ساقط من (ق).
(¬٤) العبارة في (ظ): "بل يقدم ما قدمه الله ويؤخر، فلما"!.
(¬٥) أخرجه مسلم رقم (١٢١٨) من حديث جابر - رضي الله عنه - في حجة الوداع.
(¬٦) "السنن": (٥/ ٢٣٦)، وأخرجه -أيضاً- الإمام أحمد في "المسند": (٣/ ٣٩٤)، والدارقطني: (٢/ ٢٥٤)، والبيهقيُّ في "الكبرى": (١/ ٨٥)، من حديث جابر -أيضاً- وصححه ابن حزم والنووي.