كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

أحدهما: "إن لَبست فأنتِ طالِقٌ" ثم علق هذه الجملة المعلقة بالخروج، فكأنه قال: شرطُ نفوذ هذا التعليق الخروج، فعلى هذا لا يحنَثُ حتى يوجدَ الخروجُ بعد اللبْس، وممن نصَّ عليها ابن شاس في "الجواهر" (¬١).
وقال أبو إسحاق في "المهذب" (¬٢) وقد صور المسألة: "إن كَلَّمْتِ زيْدًا، إن دَخَلْتِ الدَّارَ فأنْتِ طالِقٌ"؛ إنْ دَخَلَتِ الدارَ ثمَ كلمَتْ زيدًا طلقَتْ، وإن كلمَتْ زيدًا (ظ/ ٢١٥ أ) أولًا، ثم دخلتِ الدارَ لم تطلقْ؛ لأنه جعل دخولَ الدار شرطًا في كلام زيد، فوجبَ تقديمه عليه، وهذا (¬٣) عكس قول المالكية، ورجَّحَ أبو المعالى قولَ المالكية في "نهايته" (¬٤).
وقد وقع هذا التعليق في كتاب الله عز وجل في مواضع:
أحدها: قوله حكايةً عن نوح: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: ٣٤]، وهذا ظاهر في أن الشَّرْطَ الثانى شرط في الشرط الأول، والمعنى: إن أراد الله أن يُغْوِيَكمْ لم يَنْفَعْكمْ نصحي إن أردته، وهذا يشهد لصحة ما قال الشيخ أبو إسحاق.
الموضع الثاني: قوله تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ} [الأحزاب: ٥٠]، قالوا: فهذه الآية ظاهرة في قول المالكية، لأن إرادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متأخرة عن هِبَتِهَا، فإنها تجري مجرى القبول في هذا العقد، والإيجاب هو هبتها.
---------------
(¬١) (٢/ ٢٠٧).
(¬٢) (١٠/ ٢١٥ - مع شرحه للعمراني).
(¬٣) (ع): "هكذا".
(¬٤) هو كتابه الكبير: "نهاية المَطْلب في دراية المَذْهب"، لم يطبع بعد.

الصفحة 1239