كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

والثاني: أَنْ يريد أنهما من دين الإِسلام بمنزلة السمع والبصر من الإنسان، فيكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة القلب والروح، وهما بمنزلة السمع والبصر من الدين (¬١)، وعلى هذا فيَحْتَمِلُ وجهين:
أحدهما: التوزيع؛ فيكون أحدهما بمنزلة السمع والآخر بمنزلة البصر.
والثاني: الشركة؛ فيكون هذا التنزيل والتشبيه بالحاسَّتين ثابتاً لكلِّ واحد منهما، فكلٌّ منهما بمنزلة السمع والبصر، فعلى احتمال (ق/ ٢٨ أ) التوزيع والتقسيم (¬٢) تكلَّم الناسُ أيهما هو السمع، وأيهما هو البصر، وبَنَوا ذلك على أيُّ الصفتين أفضل؛ فهي صفة الصدِّيق.
والتحقيقُ: أنَّ صفة البصر للصديق، وصفة السمع للفاروق، ويظهرُ لك هذا من كون عُمر محدَّثاً كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قَدْ كَانَ في الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فإِنْ يَكُنْ في هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ؛ فَعُمَرُ" (¬٣)، والتحديث المذكور هو ما يُلْقَى في القلب من الصوابِ والحقّ، وهذا طريقُه السمع الباطن، وهو بمنزلة التحديث والإخبار للأُذن.
وأما الصِّدِّيق: فهو الذي كمَّل مقام الصديقية لكمال بصيرته، حتى كأنَّه قد باشر بصرُه مما (¬٤) أخبرَ به الرَّسولُ - صلى الله عليه وسلم - ما باشرَ قلبُه، فلم يبقَ بينه وبين إدراك البصر إلا حجاب الغيب، فهو كأنه ينظر إلى
---------------
(¬١) ويؤيده لفظ الحديث من رواية جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس" أخرجه الخطيب في "تاريخه": (٨/ ٤٥٩)، وفيه كلام من جهة الإسناد، إلا أنَّه صالح للاستشهاد.
(¬٢) ليست في (ق).
(¬٣) أخرجه مسلم رقم (٢٣٩٨) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(¬٤) (ق): "ما".

الصفحة 127