كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ثمَّ عقَّب هذا الحمد والملك باسمَي (¬١) (الحكيم الخبير) الدَّالَّين على كمال الإرادة، وأنها لا تتعلّق بمرادٍ (¬٢) إلا لحكمة بالغة، وعلى كمال العلم، وأنه (¬٣) كما يتعلَّق بظواهر المعلومات؛ فهو متعلّق ببواطنها التي لا تُدرَك إلا بخبرَةٍ، فنسبةُ الحكمةِ إلى الإرادة كنسبة الخبرةِ إلى العلم، فالمراد ظاهر، والحكمة باطنة، والعلم ظاهر، والخبرة باطنة، فكمال الإرادة: أن تكون واقعة على وجه الحكمة، وكمال العلم: أن يكون كاشفاً عن الخبرة، فالخبرة: باطن العلم وكماله، والحِكْمة: باطن الإرادة وكمالها. فتضمَّنت الآية إثبات حمده وملكه، وحِكمته وعلمه، على أكمل الوجوه.
ثمَّ ذكر (ق/٣١ أ) تفاصيل علمه بما ظهر وما بطن في العالم العُلْوي والسُّفْلي، فقال تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ: ٢].
ثمَّ ختم الآية بصفتين تقتضيان غايةَ الإحسان إلى خَلْقه، وهما: الرحمة والمغفرة، فيجلب لهم الإحسان والنفع على أتمِّ الوجوه برحمته، ويعفو عن زلتهم (¬٤) ويهب لهم ذنوبَهم ولا يؤاخذهم بها بمغفرته، فقال: {وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} [سبأ: ٢] فتضمَّنت هذه الآية سَعَة علمه ورحمته وحِلْمه ومغفرته.
وهو سبحانه يَقْرن (¬٥) بين سَعَة العلم والرحمة، كما يَقْرن بين
---------------
(¬١) (ظ): "باسم".
(¬٢) ليست في (ق).
(¬٣) (د): "ذاته".
(¬٤) (ق): "زللهم".
(¬٥) (ق): "يفرق" في الموضعين، وهو تحريف.

الصفحة 139