كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

فهذا كلُّه من الحق الذي خلقت به السموات والأرض وما بينهما, وهو حق مقارن لوجود هذه المخلوقات, مسطور في صفحاتها, يقرؤه كل موفق (¬١) كاتب وغير كاتب, كما قيل:
تأمل سطور الكائنات فإنها ... من الملأ الأعلى إليك رسائل
وقد خُطَّ فيها لو تأملت خطها ... "ألا كل شيء ما خلا الله باطل" (¬٢)
وأما الحق الذي هو غاية خلقها: فهو غاية تراد من العباد, وغاية تراد بهم.
فالتي تراد منهم: أن يعرفوا الله تعالى وصفات كماله عز وجل,
وأن يعبدوه لا يشركوا به شيئا, فيكون هو وحده إلههم ومعبودهم, ومطاعهم ومحبوبهم, قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (١٢)} [الطلاق: ١٢] فأخبر أنه خلق العالم ليعرف عباده كمال قدرته وإحاطة علمه, وذلك يستلزم معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته وتوحيده, وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} [الذاريات: ٥٦] , فهذه الغاية هي المرادة من العباد, وهي أن يعرفوا ربهم ويعبدوه وحده.
وأما الغاية المرادة بهم: فهي الجزاء بالعدل والفضل والثواب والعقاب, قال تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)} [النجم: ٣١] , قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (١٥)} [طه: ١٥] , وقال تعالى:
---------------
(¬١) غير محررة في (ق وظ) ويشبه أن تكون: "موقن".
(¬٢) ذكر المؤلف هذين البيتين في عدد من كتبه، ولم ينسبه، انظر: "مفتاح دار السعادة": (٢/ ٤٥٧، ٣/ ١٧٨).

الصفحة 1593