كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)
دعائهم هذين الأمرين, فقالوا: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (١٩٢)} [آل عمران: ١٩٢ - ١٩٣].
فلما علموا أن خلق السموات والأرض, يستلزم الثواب والعقاب, تعوذوا بالله من عقابه, ثم ذكروا الإيمان الذي أوقعهم عليه فكرهم في خلق السموات والأرض, فقالوا: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} [آل عمران: ١٩٣] , فكانت ثمرة فكرهم في خلق السموات والأرض: الإقرار به تعالى, وبوحدانيته, وبدينه, وبرسله, وبثوابه وعقابه, فتوسلوا إليه بإيمانهم, الذي هو من أعظم (ق / ٣٧٩ أ) فضله عليهم إلى مغفرة ذنوبهم, وتكفير سيئاتهم, وإدخالهم مع الإبرار إلى جنته التي وعدوها (¬١) , وذلك تمام نعمته عليهم, فتوسلوا بإنعامه عليهم أولا إلى إنعامه عليهم آخرًا, وتلك وسيلة بطاعته إلى كرامته, وهو إحدى الوسائل إليه, وهي الوسيلة التي أمرهم بها (¬٢) في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: ٣٥].
وأخبر عن خاصَّة عبادهم أنهم يبتغون الوسيلةَ إليه إذ يقول تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [الإسراء: ٥٧] على أن في هاتين الآيتين أسرارًا بديعة ذكرتها في كتاب "التحفة المكية في بيان الملة الإبراهيمية", فأثمر لهم فكرهم الصحيح في خلق السموات والأرض. أنه لم يخلقها باطلا (¬٣) وأثمر لهم:
---------------
(¬١) (ع): "وَعَدَهموها".
(¬٢) (ق وظ): "فيها".
(¬٣) (ق): "أنهما لم يخلقهما عبثًا باطلًا".