كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

رِدُوا فواللهِ لا ذُدْنَاكُمُ أبدًا ... ما دامَ في مائِنَا وِرْدٌ لِنُزَّالِ (¬١)
ويحتملُ المضيَّ والاستقبال بعد همزة التَّسوية نحو: "سَوَاءٌ عَلَيَّ أَقُمْتَ أم قَعَدْتَ"، والصواب أن المُرَادَ هنا المصدرُ المدلولُ بالفعل، وهو أعمُّ من الحالِ والاستقبالِ، فلم يجيءْ الاحتمالُ من جهة الهمزة، بل من جهةِ القصدِ إلى المصدرِ.
فإن قلت: فلو اقترن الفعلُ الواقعُ بعدَ "أم" بـ: "لم" فهل يصلحُ الماضي للحالِ والاستقبال أم يتعيَّنُ المضي؟.
قلتُ: ذهب صاحب "التسهيل" (¬٢) إلى تعيّن المضيِّ، واحتجَّ بقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة: ٦]، والصوابُ: أنه لا يتعيَّنُ المضيُّ، فإنَّ المعنى: سواءٌ عليهم الإنذارُ وعَدَمُهُ، فلا فَرْقَ بَيْنَ ذلك وبَيْنَ أن يُقَالَ: "سَوَاءٌ عليهِم أأَنْذَرْتَ أم تَرَكْتَ الإنذارَ" (¬٣).
وكذلك لو كان بعدَ "أم" جملةٌ إسميَّةٌ لم يتعيَّنِ المضيُّ في الفعل، كقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: ١٩٣]، وإذا وقع الماضي بعدَ حرف التَّحضيضِ صَلَحَ أيضًا للماضي والمستقبلِ، كقوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (¬٤) [التوبة: ١٢٢]، والصوابُ: أن الماضِيَ هاهنا باقٍ على وضعِهِ لم يتغيَّرْ عنه، كقوله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ} [هود: ١١٦] ويقول: هلا اتقيتَ الله فيما أتيتَ، والآيةُ
---------------
(¬١) ذكره في "الهمع": (١/ ٩)، (٢/ ٤١).
(¬٢) ليس هذا النقل في "التسهيل" ولا في "شرح الكافية".
(¬٣) في هامش (ع) حاشية نصُّها: "هذا فيه نظر، فإن ما بعد "لم" ماضي المعنى قطعًا؛ فكيف يصح أن يكون التقدير: "أم تركتَ الإنذار"؟! " أهـ.
(¬٤) (ع وظ) إلى قوله "طائفة" وتكملتها من (ق).

الصفحة 1635