كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

فائدة
قوله في الحديث الصحيح: "إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ" (¬١) يجوز فيه وجهان:
فتحُهما معًا، وهو الأشهرُ والأفصحُ، وهما مبنيانِ على الفتح، للتركيب المتضمن للحرف (¬٢) كقولهم: "هو جاري بيتَ بيتَ" والمعنى: بيتُهُ إلى بيتي، ومنه قولهم: "همزة بَيْنَ بَيْنَ"، و"فُلانٌ يأتيكَ صَبَاحَ مَسَاءَ ويَوْمَ يَوْمَ"، و"تَرَكوا البلادَ حيْثَ بَيْثَ وحاثَ باثَ"، و"وقعوا في حَيْصَ بَيْصَ". وأصل هذا كله: "خَمْسَةَ عَشَرَ" وبابه، فإن أصلَهُ قبلَ التركيبِ العطفُ، فرُكِّب وبُني لتضمُّنِه معنى حرف العطف، ولا كذلك: "بَعْلَبَكُّ" وبابُه؛ لأن الاسمين في "خمسة عشر" مقصود دلالتهما قبل التركيب بخلاف "بَعْلَبَكَّ".
الوجه الثاني: بناء "وراءَ وراءَ" على الضمِّ كالظروف المقطوعة على الإضافَةِ، ورجح هذا بعضُ المتأخرين محتجًّا بما أنشده الجوهري في "صحاحه" (¬٣) بالضم:
إذا أَنا لَمْ أُؤْمَنْ عليْكَ ولم يَكُنْ ... لِقَاؤُكَ إلَّا مِنْ وَرَاءُ وراءُ (¬٤)
هكذا أنشده بالضمِّ، وعلى هذا فـ "وراء" الأولى بُنيت كبناء "قبلُ وبعدُ" إذا قُطِعَتا، وفي الثانية أربعة أوجهٍ:
---------------
(¬١) أخرجه مسلم رقم (١٩٥) من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-.
(¬٢) (ظ): "للحذف".
(¬٣) (٦/ ٢٥٢٣).
(¬٤) وذكره في "الكامل": (١/ ٨٥) منسوبًا إلى عُتَيّ العُقَيلي.

الصفحة 1643