كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 4)

زيْدٍ بمعنى أمامه فكَلَّا.
وأما ما استدلُّوا به فلا حُجَّة فيه؛ فأما قوله تعالى: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} [إبراهيم: ١٦]، فالمعنى أنه ملاقٍ جهنَّمَ بعدَ موتِهِ، فهي من بعدِهِ (ق/٣٩١ ب) أي: بعدَ مفارقَتِهِ الدنيا، فهي لما كانت بعدَ حياتِهِ كانت وَرَاءَه؛ لأن "وراءَ" كـ "بعدَ"، فكما لا يكونُ "بَعْدُ قَبْلَ" فلا يكون "وَرَاءُ أمامَ"، وأنت لو قلت: جهنَّم بعدَ موتِ الكافرِ، لم يكن فيها معنى "قبلَ" بوجهٍ، فوراءُ هاهنا رمانٌ لا مكانٌ، فتأمَّلْه.
فهي خَلْفَ زمانِ حياته وبعدَهُ، وهي أمامَهُ ومستقبِلَتَهُ، فكونها خَلْفًا وأمامًا باعتبارين، وإنما وقعَ الاشتباهُ لأن بعدية الزمان إنما يكونُ فيما يُسْتَقْبَلُ أمامَكَ، كقولك: "بعدَ غَدٍ" وورائية المكانِ فيما تَخَلَّفَ وراءَ ظهرِكَ، فـ: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} ورائية زمان لا مكان.
وهي إنما تكونُ في المستقبل الذي هو أمامَك، فلما كان معنى "أمام" لازمٌ لم ظنَّ من ظنَّ أنها مشتركَةٌ، ولا اشتراكَ فيها، وكذلك قوله: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧)}، وكذلك: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ}.
وأما قولُه: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} فإنْ صحَّتْ قراءةُ: {وكانَ أمَامَهُمْ مَلِكٌ}، فلها معنى لا يناقِضُ القراءةَ العامَّةَ، وهو أنَّ المَلِكَ كان خَلْفَ ظهورهِم وكان مرجِعُهم عليه، فهو وراءَهم في ذَهابِهم، وأمَامَهم في مَرْجِعِهم، فالقراءتانِ بالاعتبارينِ، واللهُ أعلمُ.
فائدة
قولهم: "البَدَلُ في نِيَّةِ تَكرارِ العامل" إنْ أريدَ به أن العاملَ فيه غيرُ العامل في متبوعِهِ فلابُدَّ من إعادَتِهِ، إمَّا ظاهرًا وإمَّا مقدَّرًا -كما هو مذهب ابن خَرُوفٍ وغيره- فضعيف جدًّا، وهو مخالفٌ لمذهبِ

الصفحة 1647