كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

من غير ترجيح لأحدهما على الآخر، لا أنها وُضِعت للشكِّ؛ فقد تكون في الخبر (¬١) الذي لا شك فيه إذا أبهمتَ على المخاطب ولم تقصد أن تُبيِّن له، كقوله سبحانه: {إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧)} [الصافات: ١٤٧]، أي: أنهم من الكثرة بحيث يقال فيهم: هم مئة ألف أو يزيدون (¬٢)، فـ "أو" على بابها دالَّة على أحد الشيئين؛ إما مئة ألف بمجردها، وإما مئة ألف مع زيادة، والمخبر في كل (¬٣) هذا لا يشك.
وقوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: ٧٤] ذهب الزجَّاج في هذه كالتي (¬٤) في قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: ١٩] إلى أنها "أو" التي للإباحة، أي: أبيح للمخاطبين أن يُشَبِّهوا بهذا أو هذا، وهذا فاسد، فإن "أو" لم توضع للإباحة في شيءٍ من الكلام، ولكنها على بابها؛ أما قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ}، فإنه تعالى ذكر مثلين مضروبين للمنافقين في (ظ/٥٩ ب) حالتين مختلفتين، فهم لا يخلون من أحدِ الحالين، فـ "أو" على بابها من الدلالة على أحد المعنيين. وهذا كما تقول: "زيد لا يخلو أن يكون في المسجد أو الدار"، ذكرتَ "أو"؛ لأنك أردت أحدَ الشيئين. وتأمل الآية مع ما قبلها، وأفهم المراد منها تجد الأمرَ كما ذكرتُ لكَ، وليس (ق / ٧٨ ب) المعنى: أبحتُ لكم أن تُشَبِّهوهم بهذا وهذا.
وأما قوله تعالى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}، فإنه ذكرَ قلوبًا ولم يذكر قلبًا واحدًا، فهي على الجملة قاسية، وعلى التعيين؛
---------------
(¬١) (ق): "للخبر" وكذا نسخ "النتائج".
(¬٢) من قوله: "أي: أنهم ... " إلى هنا ساقط من (د).
(¬٣) ليست في (ق).
(¬٤) (ظ ود): "ذهب فى هذه وكالتي ... " والمثبت من (ق)، وبنحوه في "النتائج".

الصفحة 345