كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

تأتي بمعنى الواو باطلًا، لبعد ما بين معنييهما، وكذلك " أو" بمعنى" الواو"، فأين معنى الجمع بين الشيئين إلى معنى الإثبات لأحدهما؟ وكذلك مسئلتنا، أين معنى "أم" من معنى "بل"؟ فاسمع الآن فقه المسألة وسرِّها:
اعلم أن ورود "أم" هذه على قسمين: أحدهما: ما يتقدمه استفهام صريح بالهمزة، وحكمها ما تقدَّم، وهو الأصل فيها والآخِيَّةُ (¬١) التي يرجع إليها ما خرج عن ذلك. والثاني: ورودها مبتدأة مجرَّدةً من استفهام لفظي سابق عليها، نحو قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً} [الكهف: ٩] وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} [الطور: ٣٠] وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} (¬٢) [التوبة: ١٦]، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ} [آل عمران: ١٤٢]، {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ} [المؤمنون: ٦٩]، {أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ} [الزخرف: ١٦]، {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ} (¬٣) [الطور: ٣٩] {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف: ٥٢] {أَمْ أَنْزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً} [الروم: ٣٥]، وهو كثير جدًّا تجد فيه "أم" مبتدأ بها ليس قبلها استفهام في اللفظ، وليس هذا استفهام استعلام، بل تقريع وتوبيخ وإنكار وليس بإخبار (¬٤) فهو إذا متضمن لاستفهام سابق، مدلول عليه بقوة الكلام وسياقه، ودلت "أم" عليه؛ لأنها لا تكون إلا بعد تقدم استفهام،
---------------
(¬١) الآخيّة هي: عروة الحبل تشدّ إليها الدابة، والمعنى: أنها الأصل المرجوع والمحتكم إليه. انظر: "اللسان": (١٤/ ٢٣ - ٢٤).
(¬٢) الآية ليست في (ظ، د).
(¬٣) الآية ليست في (ق).
(¬٤) "وليس بإخبار" ليست في (ق).

الصفحة 358