كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

كأنه يقول: "أيقولون: صادق أم يقولون: شاعر؟ " وكذلك: أم يقولون: تَقَوَّله، أي: أتصدقونه أم تقولون: تَقَوَّله؟! وكذلك {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ}، أي أبلغك خبرهم أم حسبت أنهم من آياتنا عجبًا. وتأمل كيف تجد هذا المعنى باديًا على صفحات قوله تعالى: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} [النمل: ٢٠] كيف تجد المعنى: أحَضَرَ أم كان (¬١) من الغائبين. وهذا يظهر كلَّ الظهور فيما إذا كان الذي دخلت عليه "أم" له ضد، وقد حصل الترددُ بينهما، فإذا ذُكِرَ أحدهما استُغْني به عن ذكر الآخر؛ لأن الضد يخطر بالقلب وهلة (¬٢) عند شعوره بضده.
فإذا قلت: ما لي لا أرى زيدًا أم هو في الأموات؟ كان المعنى الذي لا معنى للكلام (¬٣) سواه: أحيٌّ هو أم في الأموات. وكذلك قوله تعالى: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف: ٥٢] معناه: أهو خير مني أم أنا خير منه. وكذلك قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ٢١٤] هو استفهام إنكار معادل لاستفهام مقدَّر في قوة الكلام. فإذا قلت: لم فعلت هذا أم حسبت أن لا أعاقبك (¬٤) كان معناه: أحسبت أني أعاقبك فأقدمت على العقوبة، أم حسبت أني لا أعاقبك (¬٥) فجهلتها. وكذلك قوله: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ
---------------
(¬١) من قوله: "على صفحات ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(¬٢) (ظ ود): "وهو".
(¬٣) (ق): "لك".
(¬٤) العبارة في (ق): "لم فعلت أم حسبت أني لا ... ".
(¬٥) من قوله: "كان معناه ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).

الصفحة 359