كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: ٤٠] {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} [الأنبياء: ٩٣] {وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ} [الأنفال: ٥٤]، وإن كانت مضافة إلى ما بعدها في اللفظ، لم تجد خبرها إلا مفردًا، للحكمة التي قدمناها قَبْلُ، وهي: أن الأصلَ إضافتُها إلى النكرة المفردة، فتقول: كلُّ إخوتك ذاهب، أي كلُّ واحد منهم ذاهب، ولم يلزم ذلك حين قطعتها عن الإضافة فقلتَ: كلٌ ذاهبون؛ لأن اعتمادها إذا أفردت على المذكورين قبلها، وعلى ما في معناها من معنى الجمع، واعتمادها إذا أضفتها على الاسم المفرد، إما لفظًا وإما تقديرًا؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُم مَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِه" (¬١) ولم يقل: "راعون ومسئولون ". ومنه: "كلُّكم سَيَرْوَى" (¬٢). ومنه قول عمر: "أو كلكم يجد ثوبين" (¬٣)، ولم يقل تجدون، ومثله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: ٢٦] وقال تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [البقرة: ١١٦] فجمع، وقال تعالى: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم: ٩٣].
فإن قيل: فقد ورد في القرآن {كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ} [الإسراء: ٨٤] {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} وهذا يناقض ما أَصَّلتم.
قيل: إن في هاتين الآيتين قرينة تقتضي تخصيص المعنى بهذا اللفظ دون غيره؛ أما قوله تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ}؛ فلأن
---------------
(¬١) أخرجه البخاري رقم (٨٩٣)، ومسلم رقم (١٨٢٩) من حديث عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.
(¬٢) قطعة من حديث طويل يرويه أبو قتادة الأنصاري -رضي الله عنه- أخرجه مسلم رقم (٦٨١).
(¬٣) تقدم ص / ١٨٠.

الصفحة 369