كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

قبلها ذكر فريقين مختلفين، ذكر مؤمنين وظالمين، فلو قال: "يعملون"، وجمعهم في الإخبار عنهم لبطل معنى الاختلاف، فكان لفظ الإفراد أدل على المراد، كأنه يقول: كل فريق (¬١) فهو يعمل على شاكلته.
وأما قوله: {كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ}؛ فلأنه ذكر قرونًا وأممًا، وختم ذكرهم بذكر قوم تُبَّع، فلو قال: كلٌ كذبوا. و" كل" إذا أفردت إنما تعتمد (¬٢) على أقرب المذكورين إليها، فكان يذهب الوهم إلى أن الإخبار عن قوم تُبَّع خاصة؛ أنهم كذبوا الرسل، فلما قال: {كُلٌّ كَذَّبَ} علم أنه يريد كل فريق منهم (¬٣) لأن إفراد الخبر عن "كل" حيث (¬٤) وقع إنما يدل على هذا المعنى كما تقدم. ومثله: {كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ} [البقرة: ٢٨٥].
وأما قولنا في "كل" إذا كانت مقطوعة عن الإضافة فحقها أن تكون مبتدأة، فإنما نريد أنها مبتدأة يخبر عنها أو مبتدأة باللفظ منصوبةً بفعل بعدها لا قبلها، أو مجرورة يتعلَّق خافضها بما بعدها نحو: {وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥]، وقول الشاعر (¬٥):
*بكُلٍّ تَدَاوَيْنا ... *
ويقبح تقديم الفعل العامل فيها إذا كانت مفردة، كقولك: "ضربتُ كُلًّا" و"مررتُ بكلٍّ" وإن لم يقبح: "كلَّا ضربت"، و"بكل مررت"،
---------------
(¬١) (ظ ود): "فهو".
(¬٢) (ظ ود): "تعمل".
(¬٣) العبارة في "النتائج": " ... أنه يريد كل قرن منهم كذّب".
(¬٤) سقطت من (ظ ود).
(¬٥) هو: عبد الله بن الدمينة، والبيت في "ديوانه": (ص / ٨٢). وتمامه:
بكلٍّ تَدَاوَيْنَا فلَمْ يَشْفِ مَا بِنا ... على أَنَّ قُرْبَ الدار خيرٌ مِن البُعْدِ

الصفحة 370