كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

* وذلكَ في ذاتِ الإلهِ ... *
قال: "وليست هذه اللفظة إذا استقرَيْتَها في اللغة والشريعة كما زعموا، ولو كان كذلك لجاز أن يقال: "عبد ذاتَ الله" و "احْذَر ذات الله" كما قال تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: ٢٨] وذلك غير مسموع، ولا يقال إلا بحرف "في" الجارَّة، وحرف "في" للوعاء، وهو معنى مستحيل على نفس الباري -تعالى-، إذا قلت: "جاهدت في (¬١) الله"، و "أحببتك في الله" محال أن يكون هذا اللفظ حقيقة، لما يدل عليه هذا الحرف من معنى الوعاء، وإنما هو على حذف المضاف، أي: في مرضاة الله وطاعته، فيكون الحرف على بابه، كأنك قلتَ: هذا [محسوب] (¬٢) في الأعمال التي فيها مرضاة الله وطاعته (¬٣). وأما أن تَدَع اللفظ على ظاهرة فمحالٌ.
وإذا ثبت هذا فقوله: "في ذات الله" أو: "في ذات الإله"، إنما يريد في الديانة والشريعة التي هي ذات الإله (¬٤)، فذات وصف للديانة، وكذلك هي في الأصل موضوعها نعت لمؤنَّث. ألا ترى أن فيها "تاء" التأنيث، وإذا كان الأمر كذلك فقد صارت عبارة عما تّشّرَّف بالإضافة إلى الله -عز وجل- لا عن نفسه سبحانه، وهذا هو المفهوم من كلام العرب، ألا ترى قول النابغة الذبياني (¬٥):
---------------
(¬١): (ق): "في ذات".
(¬٢): (ق): "محبوب" والمثبت من "النتائج".
(¬٣): من قوله: "فيكون الحرف ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(¬٤): (ق): "للإله"، و"النتائج": "الله".
(¬٥) "ديوانه": (ص/ ٥٦)، وعجزه:
* قويمٌ فما يرجون غيرَ العواقب *

الصفحة 401