كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

والقول الثاني: أن "شيئًا" هنا مفعول المصدر الذي هو "الرزق" وتقديره: لا يملكون أن يرزقوا شيئًا، وهذا قول الأكثرين؛ إلا أنه يرد عليهم أن الرزق هنا اسم لا مصدر؛ لأنه بوزن الذَّبح والطَّحن للمذبوح والمطحون، ولو أُرِيْد المصدر لجاء بالفتح، نحو قول الشاعر (¬١) يخاطب عمر بن عبد العزيز:
واْقْصِدْ إلى الخيرِ ولا تَوَقَّهْ ... وارْزُقْ عِيالَ المسلمينَ رَزْقَهْ
وقد يجاب عن هذا بأن الرزق من المصادر التي جاءت على "فِعْل" بكسر أوائلها، كالفِسْق ويُطلق على المصدر والاسم بلفظ واحد، كالنِّسخ للمصدر والمنسوخ وبابه وهذا أحسن. والبيت لا نسلِّم أن راءه مفتوحة وإنما هي مكسورة، وهذا اللائق بحال عُمَر بن عبد العزيز والشاعر، فإنه طلبَ منه أن يرزق عيالَ المسلمين رِزْقَ الله الذي هو المال المرزوق، لا أنه يرزقهم كرزق الله الذي هو المصدر، هذا مما لا يخاطب به أحد ولا يقصده عاقل، والله أعلم.
* * *
---------------
(¬١) هو: عويف القوافي. والبيت من قصيدة يذكر بها عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- انظر: "الكامل": (٢/ ٦٥٩) للمبرد، و"الأغاني": (١٩/ ٢٢٤).

الصفحة 405