كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

رَشَدًا (١٠)} [الجن: ١٠] فنسبوا إرادة الرشد إلى الربِّ، وحذفوا فاعِلَ إرادة الشر، وبنوا الفعل للمفعول، ومنه قول الخضر -عليه السلام- في السفينة: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: ٧٩]، فأضاف العيبَ إلى نفسه. وقال في الغلامين: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} [الكهف: ٨٢]، ومنه قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧]، فحذفَ الفاعلَ وبناه للمفعول، وقال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥]، لأن في ذكر الرَّفَث ما يَحْسُن منه أن لا يقترن بالتصريح بالفاعل، ومنه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِير} [المائدة: ٣] وقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الأنعام: ١٥١] إلى آخرها.
ومنه -وهو ألطف من هذا وأدق معنى- قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] إلى آخرها، ثم قال: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: ٢٤] وتأمل قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: ١٦٠] كيف صرَّح بفاعل التحريم في هذا الموضع، وقال في حق المؤمنين: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: ٣].
الفائدة الثانية: أن الإنعام بالهداية يستوجب شكر المُنْعِم بها، وأصل الشكر ذِكْر المْنعِم والعمل بطاعته، وكان من شكره إبراز الضمير المتضمِّن لذكره -تعالى- الذي هو أساس الشكر، وكان في قوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} من ذِكْره وإضافة النعمةِ إليه ما ليس في ذكر المنعم عليهم (¬١) لو قاله، فتضمَّن هذا اللفظ الأصلين، وهما الشكر
---------------
(¬١) ليست في (ظ ود).

الصفحة 421