كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

بحصول وصف المبدل للمبدل منه، فإنه لما قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)}، فكأنَّ الذهن طلب [معرفة ما إذا كان] (¬١) هذا الصراط مخِتصًّا بنا أم سلكه غيرنا ممن هداه الله تعالى، فقال: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} وهذا كما إذا دللت رجلًا على طريقٍ لا يعرفها، وأردتَ توكيد الدلالة وتحريضه على لزومها وأن لا يفارقها، فأنت تقول له: هذه هي الطريق الموصلة إلى مقصودك، ثم تزيد ذلك عنده توكيدًا وتَقْوِية، فتقول: وهي الطريق التي يسلكها الناسُ والمسافرون وأهلُ النجاة.
أفلا ترى كيف أفاد وصفك لها بأنها طريق السالكين الناجين (¬٢) قدرًا زائدًا على وصفك لها بأنها: طريق مُوْصِلة وقريبة، سهلة مستقيمة، فإن النفوس مجبولة على التأسِّي والمتابعة، فإذا ذُكِرَ لها من تتأسى به في سلوكها أَنِسَت واقتحمتها فتأمله.
فصل
وأما المسألة الثانية عشرة: وهي ما وجه تفسير "المغضوب عليهم" باليهود، و"الضالين" بالنصارى (¬٣) مع تلازم وَصْفي الغضب والضلال؟.
فالجواب أن يقال: هذا ليس بتخصيص يقتضي نفي كل صفة عن أصحاب الصفة الأخرى، فإنَّ كلَّ مغضوبٍ عليه ضالّ وكل ضال مغضوب عليه، لكى ذَكَرَ كلَّ طائفةٍ بأشْهر وصفيها وأحقِّهما به
---------------
(¬١) الزيادة من "المنيرية".
(¬٢) (ق): "الهادين".
(¬٣) (ق): "والنصارى بالضالين".

الصفحة 435