كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
وأما وصف النصارى بالضلال؛ ففي (¬١) قوله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)} [المائدة: ٧٧] فهذا خطاب للنصارى؛ لأنه في سياق خطابه معهم بقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} إلى قوله: {وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٧٧)} [المائدة: ٧٢ - ٧٧] فوصفهم بأنهم قد ضلُّوا أولًا ثم أضلوا كثيرًا، لهم أتباعهم، فهذا قبل مبعث النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيث ضلوا في أمر المسيح وأضلُّوا أتباعهم، فلما: بُعِث النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ازدادوا ضلالًا آخر بتكذيبهم له. وكفرهم به، فتضاعف الضلالُ في حقِّهم، هذا. قولُ طائفةٍ، منهم الزمخشري (¬٢) وغيره، وهو ضعيف!! فإن هذا كله وصف لأسلافهم الذين هم لهم تبع، فوصفهم بثلاث صفات؛ أحدها: أنهم قد ضلُّوا من قبلهم؛ والثاني: أنهم أضلُّوا أتباعهم، والثالث: أفهم ضلوا عن سواء السبيل، فهذه صفات (¬٣) لأسلافهم الذين (¬٤) نهى هؤلاء عن اتباع. أهوائهم، فلا يصح أن يكون وصفًا للموجودين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم هم المنهيُّون أنفسهم لا المنهى عنهم، فتأمله.
وإنما سِرُّ الآية: أنها اقتضت تكرر الضلال في النصارى ضلالًا بعد ضلال لفرط جهلهم بالحقِّ، وهي نظير الآية التي تقدمت في تَكَرر الغضب في حق اليهود، ولهذا كان النصارى أخص بالضلال من
---------------
(¬١) (ق): "وهي".
(¬٢) في "الكشاف": (١/ ٣٥٧).
(¬٣) من قوله: "أحدها ... " إلى هنا ساقط من (ق).
(¬٤) (ق): "للأسلاف الذي".