كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)
نحو: "غفر". وأما "استغفر" ففي ضمن الكلام ما لا بد [له] من (¬١) حرف الجر، لأنك لا تطلب غَفْرًا مجردًا من معنى التوبة والخروج من الذنب، (ق/ ١١١ أ) وإنما تريد بالاستغفار خروجًا من الذنب وتطهيرًا منه، فلزمت "من" في هذا الكلام لهذا المعنى، فهي متعلقة بالمعنى لا بنفس اللفظ، فإن حذفتها تعدى الفعلُ فنصبَ، وكان بمنزلة: "أمرتك الخيرَ".
فإن قيل: فما قولكم في نحو قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ} [نوح: ٤]، و [{يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ}] (¬٢) [الأحقاف: ٣١]؟.
قلنا: هي متعلقة بمعنى الإنقاذ والإخراج من الذنوب، فدخلت "من" لتُؤذِن بهذا المعنى، ولكن لا يكون ذلك في القرآن إلا حيثُ يُذْكَر الفاعلُ (¬٣) الذي هو المذنب، نحو قوله: {لَكُم}؛ لأنه المُنْقَذ المُخْرَج من الذنوب بالإيمان، ولو قلت: "يغفر من ذنوبكم" دون أن تذكر الاسم المجرور لم يَحْسُن إلا على معنى التبعيض؛ لأن الفعل الذي كان في ضمن (¬٤) الكلام وهو الإنقاذ، قد ذَهَب بِذَهاب الاسم الذي هو واقع عليه.
فإن قلت: فقد قال {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [البقرة: ١٤٧] وفي سورة الصف: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [الصف: ١٢] فما
---------------
(¬١) (ق): "ما لابد منه حرف"، و (ظ ود): "ما لابد منه من ... " والمثبت من "النتائج".
(¬٢) ما بين المعكوفين من "النتائج"، ومكانه في النسخ: "يغفر لكم خطاياكم" ولا دلالة فيها.
(¬٣) في الأصول: "الفاعل والمفعول"! والمثبت من "النتائج".
(¬٤) (ق): "ضمير".