كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 2)

وسر المسألة: أن المعرفة لتمييز ما اختلط فيه المعروف بغيره فاشتبه، فالمعرفة تمييز له وتعيين، ومن هذا قوله تعالى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦] فإنهم كان عندهم من صفته قبل أن يروه ما طابق شخصه عند رؤيته، وجاء: "كما يعرفون أبناءهم" من باب ازدواج الكلام وتشبيه أحد اليقينين بالآخر، فتأمله، وقد بسطنا هذا في "كتاب التحفة المكية"، وذُكِر فيها من الأسرار (ظ/٨٦ أ) والفوائد ما لا يكاد يشتمل عليه مصنَّف.
وأما ما زعموا من قولهم: إن "علمت" قد يكون بمعنى "عرفتُ" واستشهادهم بنحو قوله تعالى: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: ١٠١] وبقوله تعالى: {وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: ٦٠] فالذي دعاهم إلى ذلك: أنهم رأوا "علمت" قد تعدت إلى مفعول واحد، وهذا (¬١) هو حقيقة العرفان (¬٢) = فاستشهاد ظاهر، على أنه قد قال بعض الناس (¬٣): إن تعدِّي فعل العلم في هذه الآيات وأمثالها إلى مفعول واحدٍ، لا يخرجها عن كونها علمًا على الحقيقة، فإنه لا تتعدى إلى مفعول واحد على نحو تعدِّي "عرفت"، ولكن على (¬٤) جهة الحذف والاختصار، فقوله: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} لا تنفي عنه معرفة أعيانهم وأسمائهم، وإنما تنفي عنه العلم بعدوانهم ونفاقهم، وما تقدَّم من الكلام يدلك على ذلك. وكذلك قوله: {وَآخَرِينَ مِنْ
---------------
(¬١) (ق): "ومن هذا".
(¬٢) (ق): "الفرقان".
(¬٣) هو السُّهَيلي في "نتائج الفكر": (ص/ ٣٣٩) وسيأتي في النص "قال"، والمقصود هو السهيلي.
(¬٤) من قوله: "أنه قد قال ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).

الصفحة 487