كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

وقد روى سفيان، عن منصور، عن ذر، عن يُسَيْع الكِنْدي، عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر: "إنَّ الدُّعَاءَ هُوَ العِبادةُ"، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (٦٠)} [غافر: ٦٠] رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وأما قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} [الحج: ٧٣]، وقوله: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} [النساء: ١١٧] , وقوله: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ} [فصلت: ٤٨] وكلُّ موضعٍ ذُكِرَ فيه دُعاء المشركين لأصنامِهم وآلهتِهم، فالمُرادُ به دعاءُ العبادةَ المتضمِّن دعاءَ المسألة، فهو في دعاء العبادة أظهرُ لوجوه ثلاثة:
أحدها: أنهم قالوا: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، فاعترفوا بأن دعاءهم إيَّاهم هو عبادتهم لهم.
الثاني: أن الله تعالى فَسَّر هذا الدُّعاء في مواضعَ أُخَرَ بأنه العبادةُ، كقوله: {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (٩٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ (٩٣)} [الشعراء: ٩٢ - ٩٣]، وقوله: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨]، وقوله: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (¬١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢)} [الكافرون: ١ - ٢]، وهو كثير في القرآن، فدعاؤُهم لآلهتهم هو عبادتُهم لها.
---------------
(¬١) أخرجه أبو داود رقم (١٤٧٩)، والترمذي رقم (٢٩٦٩)، وابن ماجه رقم (٣٨٢٨)، وابن حبان "الإحسان": (٣/ ١٧٢)، والحاكم: (١/ ٤٩١)، وغيرهم.
قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وصححه ابن حبان والحاكم، وقال الحافظ في "الفتح": (١/ ٦٤): "سنده جيِّد".

الصفحة 838