كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

أن يحمل الدعاء في هذه الآية على التَّسمية، وهذا الذي قاله هو من لوازم المعنى المُراد بالدّعاء في الآية، وليس هو عينَ المراد، بل المُرادُ بالدعاء معناه المعهود المُطَّرِد في القرآن، وهو دعاءُ السؤال ودعاء الثَّناء، ولكنه متضمِّنٌ معنى التَّسمية، فليس المُرادُ مجرَّدَ التسمية الخالية عن العبادة والطَّلَب، بل التَّسمية الواقعة في دعاء الثناء والطلب، فعلى هذا المعنى يصح أن يكون في (تَدْعو) معنى (تُسَمُّوا)، فتأمَّلْه.
والمعنى: أيًّا ما تُسَمُّوا في ثنائكم ودعائكم (¬١) وسؤالكم، والله أعلم.
وأما قوله تعالى: {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨)} [الطور: ٢٨] فهذا دعاء العبادة المتضمِّن للسؤال رغبةً ورهبةً، والمعنى: إنا كنا من قبل نخلِصُ له العبادةَ، وبهذا استحقوا أن وقاهم عذابَ السَّمُوم، لا بمجرَّد السُّؤال المشترك بين الناجي وغيره، فإن الله سبحانَهُ يسأله من في السَّموات ومن في الأرض. والفوز والنجاةُ إنما هي بإخلاص العيادة لا بمجرَّد السُّؤال والطَّلَب.
وكذلك قولُ الفِتْية أصحابِ الكهف: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا} [الكهف: ١٤] أي: لن نعبدَ غيرَه، وكذلك قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (١٢٥)} [الصافات: ١٢٥].
وأما قوله تعالى: {وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤)} [القصص: ٦٤] فهذا من دعاء المسألة، يُبَكِّتُهم الله عز وجل، ويُخزيهم يوم القيامة بإراءتهم أن شركاءَهم لا
---------------
(¬١) من (ظ ود).

الصفحة 841