كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

وطمعًا، ثم قرَّرَ ذلك، وأكد مضمونه بجملة خبرية، وهي قوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦]، فتعَلُّق هذه: الجملة (¬١) بقوله: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} كتعلق قوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)} بقوله: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.
ولما كان قوله تعالى: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} مشتملًا على جميع مقامات الإيمان والإحسان, وهي: الحب والخوف والرجاء عقَّبها بقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)} [الأعراف: ٥٦]، أي: إنما ينال من دعاه خوفًا وطمعًا، فهو المحسِنُ والرحمة قريبٌ منه؛ لأن مدارَ الإحسان على هذه الأصول الثلاثة.
ولما كان دعاءُ التَّضَرُّع والخُفية يقابلُه الاعتداء بعدم التَّضَرُّع (¬٢) والخُفية، عَقَّب ذلك بقوله: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)}.
وانتصابُ قوله: {تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} و {خَوْفًا وَطَمَعًا}، قيل: هو على الحال، أي: ادعوه متَضَرِّعِنَ مُخْتَفِين خائفينَ طامعينَ، وهذا هو الذي يُرَجِّحه السُّهَيْلِيُّ وغيره (¬٣). وقيل: هو نصبٌ على المفعول به، وهذا قولُ كثير من النُّحاة، وقيل: هو نصبٌ على المصدر، وفيه على هذا تقديران؛ أحدهُما: أنهْ منصوبٌ بفعل مقدَّر من لفظ المصدر، والمعنى: تَضَرَّعوا إليه تَضَرُّعًا واخفوا خُفْيَةً، والثاني: أنه منصوبٌ بالفعلِ المذكور نفسه؛ لأنه في معنى المصدر، فإن الدَّاعي متَضرِّعٌ طامعٌ في حصول مطلوبه خائفٌ من فواتِهِ، فكأنه قال: تَضَرَّعوا تضرُّعًا.
---------------
(¬١) من قوله: "بجملة خبرية ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود).
(¬٢) "يقابله الاعتداء بعدم التضرع" سقطت من (ع).
(¬٣) انظر: "مشكل إعراب القرآن": (ص/ ٢٧٩)، و"الكشاف": (٢/ ٦٥).

الصفحة 858