كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

وقال الفرزدق (¬١):
فَدَاوَيْتُهُ عَامَيْنِ وهي قَريبةٌ ... أَرَاها وتَدْنو لي مِرارًا وأَرْشُفُ
ويقولون: "امرأَةٌ فَتِينٌ وسَرِيحٌ وهَرِيتٌ" (¬٢)، فجرَّدوه من التاء وهو بمعنى فاعل، وقالوا: "امْرَأَةٌ فَروكٌ، وهَلُوكٌ، ورَشُوفٌ، وأَنُوفٌ، وَرَصوفٌ" (¬٣)، فجردوه وهو بمعنى فاعل كصبور، وقالوا: "امْرأَةٌ عَرُوبٌ" (¬٤)، فجردوه أيضًا، ثم قالوا: "امرَأَةٌ مَلُولَةٌ وفُرُوقَةٌ"، فقرنوه بالتاء وهو بمعنى فاعل أيضًا، ودعوى أن التاء هاهنا للمبالغة لا دليل عليها، فقد رأيتَ اشتراكَ فَعُول وفَعِيل في الاقتران بالتاء والتجرُّد منها، فدعوى أصالةِ المجرَّد منهما، وشذوذ المقرون مقابلة بمثلها، ومع مقابِلِها قياسُ اللغة في اقتران المؤنَّث وتجريد المذكَّر.
وأما ما استشهدتم به من قوله تعالى: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)}، فهو على وَفْق قياس العربية، فإن العظامَ جمع عَظْم، وهو مذكَّر، ولكن جمعه جمع تكسير، وجمع التكسير يجوز أن يُرَاعَى فيه تأنيثُ الجماعة، وباعتباره قال: (وهي)، ولم يقلْ: (وهو)، ويُرَاعى فيه معنى الواحد، وباعتباره قال: "رَمِيم"، كما يقال: "عظمٌ رَمِيم"، مع أن رَمِيمًا يطلقُ على (¬٥) المذكر مفردًا
---------------
(¬١) "ديوانه": (ص/ ٤٣٢).
(¬٢) فَتِين من الفتنة، والسريح: المطلقة التي لا زوج لها، والهريت: المرأة المفضاة. انظر "القاموس".
(¬٣) الفروك: المبغضة لزوجها، والهلوك: الفاجرة أو الحسنة التبعُّل، من الأضداد، والرشوف: طيبة الفم، والأنوف: طيبة رائحة الأنف، ورصوف: ضيِّقة المكان.
(¬٤) العروب: المتحببة إلى زوجها.
(¬٥) (ق وظ) زيادة: "جمع".

الصفحة 866