كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)

لمذكَّر، وهو الإحسانُ، فيفهم المقابلة المطلوبة. قالوا: ومن تأويل المؤنث بمذكَّر ما أنشده الفَرَّاء (¬١):
وَقَائِعُ في مُضَرٍ تِسْعَةٌ ... وفي وائِلٍ كانَتِ العاشِرَهْ
فتأوَّلَ الوقائعَ وهي مؤنَّثَةٌ بأيام الحرب المذكَّرة، فأَنَّث العَدَدَ الجاري عليها، فقال: تسعة، ولولا هذا التأويل لقال: تِسْعٌ؛ لأن الوقائع مؤنثة، قالوا: وإذا جاز تأويل المذكر بمؤنث في قول من قال: "جاءَتْهُ كِتابي"، أي: صَحِيفتي، وفي قول الشاعر (¬٢):
يا أيُّها الرَّاكِبُ المُزْجِي مَطِيَّتَهُ ... سَائِلْ بني أسَدٍ ما هذهِ الصَّوْتُ
أي: ما هذه (¬٣) الصيحَة؟ مع أنه حَمْل أصلٍ على فرع، فَلأَنْ يجوزَ تأويل مؤنث بمذكر، لكونه حَمْل فرع على أصل أولى وأحرى، وهذا وجهٌ جيد، وقد اعترض عليه باعتراضين فاسدين غير لازمين:
أحدهما: أنه لو جاز تأويل المؤنث بمذكر يوافقه وعكسه، لجاز أن يقال: "كَلَّمَتْنِي زَيدٌ، وَأَكْرَمَتْنِي عَمْرٌو، وكَلَّمَنِي هِنْدٌ، وأكْرَمَنِي زَيْنَبُ" تأويلًا لزيْدٍ وعمْرٍو بالنفس والجثة، وتأويلاً لهندٍ وزينبَ بالشخص والشَّبَح، وهذا باطلٌ (¬٤).
وهذا الاعتراضُ غيرُ لازم، فإنهم لم يدَّعواْ اطّرادَ ذلك، وإنما ادَّعوا أنه مما يَسُوغ أن يستعملَ، وفَرْق، بين ما يَسُوغُ في بعض الأحيان
---------------
(¬١) أنشده ابن الأنباري في "الإنصاف": (٢/ ٧٦٩) بلا نسبةٍ.
(¬٢) هو: رُوَيشد بن كثير الطائي، كما في "حماسة أبي تمام": (١/ ١٠٢).
(¬٣) "ما هذه" من (ع) فقط.
(¬٤) من قوله: "زينب، تأويلًا ... " سقط من (ق) وبياض في (ظ).

الصفحة 868