كتاب بدائع الفوائد - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 3)
قلت: ليس في هذا -ولله الحمد- ردٌّ لهذا المذهب ولا إبطال له، فإن دخولَ (ظ / ١٥٧ ب) التاء هاهنا يتضمَّنُ فائدةً لا تحصلُ بدونها فتعيَّنَ الإتيانُ بها، وهي: أن المراد بالمرضعة فاعِلَةُ الرَّضَاع، فالمرادُ الفعل لا مجرد الوصف، ولو أُرِيْدَ الوصفُ المجرَّد بكونها من أهل الإرضاع لقيل: "مُرْضِعٌ" كحَائِض وطَامِث.
ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يَقْبلُ الله صَلاةَ حَائِضٍ إلاّ بِخِمَارٍ" (¬١) فإن المرادَ به الموصوفة بكونها من أهل الحَيْض لا من يجري دمُها، فالحائضُ والمُرْضِعُ وَصْف عامّ، يقالُ (¬٢) على من لها ذلك وصفًا، وإن لم يكنْ قائِمٌا بها، ويقال على مَنْ قام بها الفعلُ، فأُدْخِلت التاءُ هاهنا إيذانًا بأن المُرَادَ: مَنْ تفعل الرَّضَاع، فإنها تذهلُ عمَّا تُرْضِعُهُ لشدَّة قوله زلزلة الساعة، وأكَّدَ هذا المعنى بقوله: {عَمَّا أَرْضَعَتْ} فعُلِم أن المُرادَ: المُرضِعَةُ التي تُرْضِعُ بالفعل لا بالقوَّة والتَّهَيُّؤ، وترجيح هذا المذهب له موضع غير هذا.
فصل
المسلك الخامس: أن هذا من باب اكتساب المضاف حكم المضاف إليه، إذا كان صالحًا للحذف والاستغناء عنه بالثاني، كقول الشاعر (¬٣):
لمَّا أتى خَبَر الزُّبَيْرِ تواضَعَتْ ... سُورُ المَدِينَةِ والجَبِالُ الخُشَّعُ
---------------
(¬١) أخرجه أحمد: (٦/ ١٥٠)، وأبو داود رقم (٦٤١)، والترمذي رقم (٣٧٧)، وابن ماجه رقم (٦٥٥)، وابن حبان "الإحسان": (٤/ ٦١٢)، والحاكم: (١/ ٢٥١).
والحديث حسَّنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان، والحاكم على شرط مسلم. وأعله الدارقطني بالوقف. انظر: "نصب الراية": (١/ ٢٩٥).
(¬٢) (ق وظ): "فقال".
(¬٣) البيت لجرير "ديوانه" (ص / ٢٧٠).